مجزرة قروض مصرفية منتظرة بعد توحيد سعر الصرف
مع بدء انهيار سعر صرف الليرة، حاولت المصارف الامتناع عن قبول سداد القروض الدولارية بالليرة وفق السعر الرسمي 1515 ليرة وحصرها بالدولار النقدي. لكن هذا الإجراء سقط سريعاً. ومع طرح مشروع توحيد سعر الصرف المطلوب من صندوق النقد الدولي، عاد المقترضون للتساؤل حول سداد القروض واحتمال ارتفاع حجم الدفعات الشهرية.
ترحيب حذر للمصارف
عملت المصارف مراراً للتوصّل مع الحكومة ومصرف لبنان إلى حلٍّ مناسب يقيها ما تعتبره خسائر نتيجة تعثّر سداد القروض الدولارية بالليرة وبالسعر الرسمي. لكن بقاء الرواتب والأجور على حالها، وازدياد التدهور الاقتصادي وارتفاع معدّل الفقر والبطالة، حال دون التجاوب مع مطالب المصارف، ما زاد من خسائرها المسجّلة في خانة القروض المتعثّرة التي فاقت نسبتها 30 في المئة.
وتلتقي مصلحة المصارف مع اعتبارات صندوق النقد حول توحيد سعر الصرف. فإذا كان الصندوق يحتاج التوحيد لضبط السوق وتعزيز الاقتصاد، فمن ناحية أخرى يرفع التوحيد حجم الكتلة النقدية المدفوعة للمصارف بالليرة، إذ يصبح السعر الجديد أعلى من السعر الرسمي الذي تُدفَع وفقه القروض حالياً. كما تتحسّن قيمة الكتلة النقدية المجمّعة مع تسهيل تحويل الليرة إلى دولار على سعر مستقر. ولذلك ترحّب المصارف بتوحيد أسعار الصرف، لكن بحذَر، إذ مَن يضمن تحويل النظرية إلى واقع؟ فتجربة فشل منصة صيرفة واضحة. والمنصة تمثّل بطريقة مبدئية، محاوَلة لتوحيد سعر الصرف.
وينطلق الحذر من غياب آلية واضحة للتوحيد. كما أن نجاح العملية يتحقّق في ظل بدء تطبيق برنامج إصلاحي بعد الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ما يعطي ثقة أكبر في السوق والاقتصاد، فتتمكّن آلية العرض والطلب من ضبط السوق وتحديد سعر الصرف. أما البدء بالتوحيد وسط هذه الفوضى غير المضبوطة، يعني تحرير سعر الصرف وإلغاء السعر الرسمي وانفلات السوق.
قيمة القروض
ما تحذر منه المصارف، يرتعب منه المدينون ممّن يدفعون سنداتهم الشهرية حالياً بالسعر الرسمي. فمع توحيد سعر الصرف، مَن يدفع 300 ألف ليرة لقاء قسطٍ شهري بقيمة 200 دولار، سيدفعه بما لا يقل عن 4 مليون ليرة، إذ يُقدَّر السعر الموحّد المرتقب بنحو 20 ألف ليرة. وسترتفع قيمة القسط مع ارتفاع سعر الصرف، لأن التوحيد لا يعني التثبيت.
ووفق هذه المعادلة، يصبح توحيد سعر الصرف وما يستدعيه من إلغاء للسعر الرسمي، مجزرة بحق المقترضين الذين ما زالت رواتبهم وأجورهم بلا تصحيح يتناسب مع حجم التضخّم ومعدّلات الأسعار في السوق. والدولة تبحث زيادة التعرفة الجمركية وأسعار الخدمات كالاتصالات والانترنت، ولا تلتفت للرواتب والأجور، بل تغطّي عجزها بفتاتٍ تسميه مساعدات اجتماعية أو حوافز لا تضاف إلى أصل الراتب.
وإلى جانب المقترضين الأفراد، تسأل الشركات عن التوحيد. فهي تدفع اليوم قروضها الدولارية بأقل بنحو 20 بالمئة من قيمتها الفعلية، بواسطة الشيكات. وتوحيد السعر يُلزمها بدفع القروض مباشرةً وفق القيمة جديدة.
قروض الإسكان
ما يُخشى في القروض المصرفية الخاصة، لا اعتبار له في القروض السكنية التابعة للمؤسسة العامة للاسكان، فهي قروض مدعومة بالليرة ولا تتأثّر بتغيّر سعر الدولار. وقد طمأن المدير العام للمؤسسة روني لحود مراراً عبر “المدن”، إلى أنه لا خوف من قروض الإسكان، داعياً المقترضين إلى عدم التهافت على إقفال حساباتهم وخلق ضغط على المؤسسة لإكمال إجراءات تسديد القروض، ممّا يؤخّر العملية ويراكم مئات آلوف الطلبات المؤجّلة.
سداد القروض المصرفية وفق السعر الرسمي مستمر. فقرار توحيد أسعار الصرف لم يُتَّخَذ بعد. لكن القلق واجب في ظل إصرار السلطة والمصارف والبنك المركزي على تحميل اللبنانيين عموماً والمقترضين والمودعين خصوصاً، أعباء الخروج من الأزمة. ويزداد القلق كلّما سَبَقَ التوحيد تنفيذ بنود إصلاحية أخرى أكثر أهمية وتأثيراً على الاقتصاد.