مفاجأة إلغاء “البريفيه” بـ”ذريعة أمنيّة”… تخبّط رسمي والوزارة لم تكن تعلم!

“صدمة” خلّفها قرار مجلس الوزراء الصادر بإلغاء امتحانات الشهادة المتوسّطة هذا العام، قبيل قرابة الأسبوعين من انطلاق الإمتحانات الرسمية في لبنان، ووسط “ذريعة أمنيّة” مفاجئة.

أروقة وزارة التربية تواجه تخبّطاً عقب إعلان القرار رسميّاً، خصوصاً بعد تأكيد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، لـ”النهار”، في مقابلة أُجريت بالأمس، أنّ الامتحانات الرسمية قائمة في موعدها، لافتاً إلى أنّ “12 في المئة رسبوا في امتحانات البريفيه العام الفائت”، ومتمنّياً أن “تكون النسبة أقلّ هذه السنة، ولذا نحتاج إلى عمل إضافي لتكثيف الدورات التدريبية”.

وتعليقاً على القرار، تؤكّد مصادر وزارة التربية لـ”النهار” أنّ “الصورة ضبابية حتى الآن وسط صدمة لدى المعنيّين، ولا شيء واضحاً حول ما إذا كانت الطلبات الحرّة ستُشمَل بقرار الإلغاء أم لا”. وتفيد المصادر بأنّ “الأمور ستتضح في الساعات المقبلة ليُبنى على الشيء مقتضاه، على أن تُشرح الآلية بوضوح في قرار للوزارة”.

وتصف مصادر التربية الأمر بـ”الكارثة التربوية”، خصوصاً في الوقت الضيّق مع انتهاء العام الدراسي، إذ “ثمة طلاب تسجّلوا هذا العام للحصول على شهادة رسمية وفوجئوا الآن بإلغائها”. أضف الى معطى أن آلاف الأساتذة المشاركين في الامتحانات سجّلوا طلباتهم الكترونياً.
ليست المشكلة في إلغاء البريفيه، وهو الأمر الذي يتفق تربويون كثر عليه، بل في الطريقة العشوائية التي لم تقم وزناً للمعايير التربوية.

المعلومات الأوليّة التي وردت من داخل مجلس الوزراء أرجعت سبب إلغاء البريفيه هذا العام إلى عدم توافر التمويل، وهو ما اعتبرته مصادر “التربية” “حجّة ليس إلّا”، خصوصاً بعد تأكيد من الحلبي لـ”النهار”، بالأمس، بـ”توافر الأموال لتغطية الامتحانات الرسمية، وسيُعطى لكلّ مشارك من الفئات المختلفة عائداً مالياً بالدولار الأميركيّ وبالليرة اللبنانية”.

لكن بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، خرج الحلبي ليُعلن أنّ السبب وراء الإلغاء “أمنيّ وليس تربويّاً أو ماديّاً”، لافتاً إلى أنّه “ثمة صعوبات لوجستيّة لدى وزارة الداخلية لتأمين الحماية الأمنية للشهادتَين المتوسّطة والثانويّة تباعاً”.

وقال: “استمعتُ إلى آراء الوزراء، إلّا أنّ العنصر الحاسم كان قول الوزير بسام مولوي إنّ هناك صعوبة لدى القوى الأمنية في تأمين سلامة الامتحانات، مفضّلاً تركيز الجهود على إجراء الثانوية العامة لـ3 أيام”.

وأكد الحلبي أنّه “لا مناصّ من إجراء الامتحانات الثانوية، بالرغم من تأمين الأموال للامتحانات كافّة، إلّا أنّه يصعب إجراؤها بغياب عنصر من عناصر اكتمال هذه العملية، ويجب أن نكون متفهّمين لطلب وزير الداخلية”.

إلى ذلك، يقرّ وزير التربية بأنّ هذا القرار أتى متسرّعاً، بعدما نبّه مجلس الوزراء إلى عدم اتّخاذه من دون تأمين البديل التربوي، إذ لا يمكن إلغاؤها إلّا بعد بدء تطبيق المنهاج التعليمي الجديد، فلا مقياس للتعليم من المرحلة المتوسطة إلى الثانوية إلّا عبر “البريفيه”. وهذا الأمر كان قد كشفه الحلبي، الشهر الماضي، في مقابلة لـ”النهار”، بالقول إنّ “قرار إلغاء البريفيه سيُتّخذ في حال إقرار تشريع جديد يُحدِّد البديل، وهو قياس جودة التعليم في المدارس”.

إذن، ستنصبّ جهود وزارة التربية، في الأيام المقبلة، على إبجاد المخرج البديل للامتحانات، ضمن ورشة مناهج بالتعاون مع المديرية العامة للتربية، والمركز التربوي للبحوث العلمية والقطاع الخاص لتأمين البديل التربوي الآمن، فيما لا تزال الصورة ضبابية حول طبيعة البديل، إمّا بمنح إفادات من الوزارة أو المدارس، مع التأكيد أنّ هذا القرار يسري على جميع الطلاب بمن فيهم النازحون السوريّون.

إلغاء الشهادة المتوسّطة بهذه الطريقة سيزيد من التخبط التربوي، وهو ما يعتبره المدرّب التربوي محمود عيسى، “قراراً غير تربويّ ومفاجئاً للجميع، ويُسبّب مشكلة في ترفيع الطلاب إلى الصف العاشر، خصوصاً في هذا الوضع الاقتصادي، والأرضية في المدارس الرسمية نتيجة الإضرابات غير مجهّزة لاستقبال هذه الأعداد من التلاميذ”.

ويُضيف عيسى، في اتصال مع “النهار”، أنّ “الطلاب يواجهون نقصاً في المكتسبات بعد انقطاع تربوي في الأعوام الأربعة الأخيرة نتيجة الأزمات الصحية والمعيشية والأمنية والتعليم عبر (الأونلاين)، والبريفيه تُعدّ فرصة لتصيفة التلاميذ وإكمال العملية التربوية السليمة حتى الترمينال وتجهيز الطالب للتعليم الجامعي بشكل جيّد”.

أمام هذا الواقع، لا مفرّ من حقيقة أنّ الواقع التربوي في لبنان يتّجه إلى مزيد من التأزّم، ممّا يُخلّف مشكلة في العام المقبل في جمع الطلاب من مختلف المستويات التعليمية معاً؛ وهو ما يعني إرجاء المشكلة عاماً إضافيّاً إلى الأمام، وهذا ما يرُاكم العلاج التربوي ويزيده صعوبة.

يأسف عيسى لـِ”بناء رؤيتنا التربوية وفق مقاربات مادية”، مشيراً إلى أنّ “آلية تنظيم مرحلة ما بعد الإلغاء، ستكون إمّا عن طريق منح إفادات من المدارس أو من الوزارة، وأعتقد أنّ هذا الأمر يحتاج إلى تشريع”.

وفي انتظار جلاء الصورة التربوية، يبقى التلامذة في لبنان الضحية لأيّ قرار رسمي “غير مدروس”، مما يُعمّق الفجوة في مستويات التعليم بين المدارس والثانويات، التي ترزح تحت فاقد تعليميّ كبير منذ سنوات.

زر الذهاب إلى الأعلى