ملف خطير.. و”القائد” الى واشنطن

بعناية واهتمام بالغين تتابع الادارة الاميركية ملف الامن الغذائي في لبنان. قد يكون العنوان هذا تفصيلا صغيرا في بحر اهتمامات واشنطن الدولية الممتد من مفاوضات فيينا النووية وعقباتها الى الغزو الروسي لاوكرانيا وتداعياته. بيد ان ما قد يؤدي اليه هذا الملف تحديدا في ما لو ترك من دون مراقبة يكاد يكون اخطر مما يتصور البعض على مستوى لبنان اولا، وبعده دول الجوار في الاقليم، ربطا بالواقع الديموغرافي المستجد وبملايين النازحين السوريين الموجودين فيه ومئات الآف الفلسطينيين في مخيماته. والخطر هنا يتأتى من احتمال اشعال فتيل الانفجار من باب الامن الغذائي اذا ما استمرت الامور على حالها من الفلتان والاسعار بمجملها الى ارتفاع جنوني من دون ضوابط في غياب سلطة سياسية فاعلة تتخذ اجراءات حاسمة وتصف العلاجات وتشرع في الاصلاحات، فما الذي قد يولده الجوع والفقر خلاف ذلك؟

الملف على ضآلة حجمه مقارنة بالأزمات العالمية، قد يبدو هامشيا، لكنه ليس كذلك بالنسبة الى واشنطن التي ابلغت اوساط مسؤولة في ادارتها مسؤولا دبلوماسيا، بالغ قلقها جراء ما يحصل في لبنان على هذا المستوى واستمرار ارتفاع اسعارالمواد الغذائية الاساسية والمحروقات وتخوفها من ان تؤدي، في ما لو لم تلجم، الى اهتزاز الامن الغذائي عبر فوضى شاملة وموجة احتجاجات في الشارع، وصولا الى مواجهات مع القوى الامنية ونشوب فتنة، وربما ابعد، في ظل وجود اكثر من طابور خامس يتحين فرصة كهذه في لبنان ليحرك ادواته ويحكم الامساك باللعبة الامنية اللبنانية مقابل مكاسب سياسية يتطلع اليها لتعزيز نفوذه في المنطقة.

المعلومات المقلقة هذه، بحسب ما يفيد المسؤول الدبلوماسي “المركزية” ليست متأتية من عدم ولا هي نتاج تكهنات او تحليلات، وليس هذا اسلوب الاميركيين اساساً. هي وردت بوضوح في تقارير دبلوماسية تبلغتها الادارة الاميركية، حملت المسؤولين المعنيين بملف لبنان في وزارتي الخارجية والدفاع والاجهزة التابعة لها،على فرز حيز واسع من الاهتمام لملف الامن الغذائي والبحث عن سبل التخفيف من وطأة الازمة على الشعب والاجهزة الامنية، العصب الرئيسي للدولة، عشية الاستحقاق الانتخابي في 15 ايار المقبل، خشية ان تتحرك ادوات الفتنة قبل هذا الموعد لتطيير الانتخابات التي يرى فيها اللبنانيون فرصة للتغيير واطاحة منظومة الفساد التي نهشت الوطن ومن فيه. واستنادا الى المباحثات والنقاشات المعمقة، يضيف المسؤول، تم ابلاغ السفير الاميركية في بيروت دوروثي شيا بوجوب التحرك في اتجاه الوزارات المعنية بالملف الغذائي والطلب منها اعداد تقارير مفصلة عن حاجات لبنان الغذائية ونوعية الموارد المطلوبة او المفقودة لا سيما بعد ازمة اوكرانيا، من قمح وحبوب ومحروقات لتسعى واشنطن الى تأمينها من الاحتياطي المتوافر في بعض دول المنطقة والجوار، وأبعد منها اذا لزم الامر.

في الموازاة، تبقي الادارة الاميركية عينها ساهرة على المؤسسات الامنية اللبنانية، وفي شكل خاص المؤسسة العسكرية التي تمدها بالمساعدات على انواعها العسكرية والطبية والغذائية وتجري اتصالات مع الدول الصديقة لتأمين ما تيسر من مساعدات وهبات لديها لرفد الجيش اللبناني بها، وهو ما يترجم عمليا بدفعات المساعدات التي يتسلمها الجيش. واذ يؤكد ان المساعدات السعودية- الفرنسية عبر الصندوق الانساني للبنان ليست بعيدة من الاتصالات الاميركية مع الحلفاء في هذا الخصوص، وان مساعدة وزيرالخارجية لشؤون الشرق الادنى يائيل لمبرت ستزور باريس والرياض وعدد من العواصم العربية لحملها على تقديم المساعدات للبنان، خشية انزلاق الاوضاع فيه الى حيث لا يريد اي من هؤلاء، يكشف المسؤول عن زيارة يعتزم القيام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون الى الولايات المتحدة الاميركية في وقت غير بعيد، والاكيد انها بعد الانتخابات النيابية نظرا للضرورة الملحة لتواجده في بيروت في مرحلة ما قبل الاستحقاق وخلاله لمواكبته لوجستيا وامنيا من قبل المؤسسة العسكرية. وفي واشنطن، المتوقع ان يحط فيها مطلع الصيف، اذا لم يطرأ ما يحول دون ذلك لبنانيا، سيُعد للقائد برنامج حافل باللقاءات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين وسيسلمهم بدوره تقريرا مفصلا بحاجيات الجيش لاسيما على صعيد الامن الغذائي وحاجات العناصر في ظل الازمة المالية والاقتصادية الخانقة والظروف الضاغطة التي يعملون في ظلها، والتي تفاقمت بعد التقارير التي وصلت الى الادارة الاميركية من المؤسسة العسكرية في وقت سابق. ويختم المسؤول الدبلوماسي بالاشارة الى ان واشنطن، الى تواصلها مع فرنسا المشرفة على ملف لبنان، والسعودية، تواصلت ايضا مع قطر والامارات بهدف حثها على تأمين مساعدات يحتاجها الجيش استنادا الى تقرير قائده، وفي اسرع وقت اذا امكن.

Exit mobile version