نوّاب “القوّات” يعلمون

يصرّ بعض الصحافيين على مقاربة الملفات السياسية دون الارتكاز إلى حدّ أدنى من الوقائع، آخر تلك الأمثلة تجلّى بمقال “نواب متل الأطرش بالزفة” للصحافي محمد المدني في موقع “ليبانون ديبايت”، حيث تضمّن جملة من المغالطات التي تحتاج التّصويب.

أوّلًا، في القرن الحادي والعشرين، وقياسًا على الأنظمة السياسية التي تحكم معظم الدول المتطوّرة، تلعب الأحزاب الدور المركزي في تحديد سياسات البلدان والشعوب، كما تملك هيكليات داخلية تُطرَح داخلها أُطُر النّقاشات والحوارات ودراسة القرارات، وبالتالي الكلام عن أنّ نوّاب لبنان لا يعلمون ماذا يُقرّر زعماء أحزابهم، هو كلام لا ينطبق أقلّه على “القوّات اللبنانيّة”، التي تُدرَس في أروقتها كلّ الخيارات على أكثر من صعيد، قبل أن يتمّ الإعلان عنها.

ثانيًا، من غير المنطقي، عدم التّفريق بين النوّاب الذي يلتزمون بدورهم الدستوري في الاستحقاق الرئاسي، حيث يحضرون جلسات الانتخاب ويصوّتون لمرشّحهم، وبين النوّاب الذين إمّا لا يحضرون أو في حال حضورهم لا يصوّتون لأحد وينسحبون من الجلسة، وبالتّالي فإنّ الصّنف الأوّل من النوّاب يعلم تمامًا ما يُريده ولا ينتظر معطيات أو تعليمات أو أوامر، كما يفعل الصّنف الثاني من النوّاب.

ثالثًا، كيف يمكن لتحليل صحفي موضوعي أن يقول “لمن يريد فعلًا إنجاز الاستحقاق الرئاسي أن يركن إلى الحوار مع الثنائي الحزب وحركة أمل”، فهل إنّ الدستور اللبناني قد استبدل المشاركة بالجلسات النيابية التي تُعتبر فيها الهيئة العامة ناخبة ولا دور لها غير الانتخاب، بعبارة الحوار مع الثنائي الشيعي؟ وهل من الجائز أن تُرمى المسؤولية على النائب الذي يرفض مبادلة الجلسة الانتخابية الدستورية بحوار غير دستوري وليس سوى وليد بدعة المعطّلين؟

رابعًا، توصيف الحزب بموقع المُستضعَف والقول بأنّه مُستهدَف وأنّ النّاس تعيش في أوضاع صعبة، هو انقلاب على الوقائع الموثّقة، حيث تُشير بأنَّ الحزب هو المرتكِب بالاقتصاد وعلى الحدود وفي المؤسسات والإدارات والاستحقاقات الدستورية والفساد، أمّا الدولة الشعب فهم الضحية، فهل مقبول أن يذهب كلّ أصحاب مشروع الدولة إلى أحضان أولياء الدويلة؟

أخيرًا، لا سبيل لإنهاء الشغور الرئاسي إلّا بعودة كلّ القوى النيابية إلى الدستور، أيّ إلى مجلس النوّاب حيث هنالك فقط يُنتخب الرئيس وإلّا فإنّ الصّفة الأنسب لنوّاب التّعطيل تُصبح فقدان الضّمير والأخلاق ما بعد “الطّرش”.

زر الذهاب إلى الأعلى