قبل أن تكتمل فرحة رؤساء نقابات المهن الحرة ومعهم اعضاء الروابط المنادية بمطالب المودعين اللبنانيين بما تحقق يوم الأربعاء الماضي بتعطيل اجتماع اللجان النيابية المشتركة التي كانت تناقش مشروع قانون الكابيتال كونترول، جاءت في اليوم التالي الدعوة التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى أعضاء لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل لمتابعة متابعة درس مشروع القانون عينه في جلسة مشتركة تعقد قبل ظهر يوم الثلاثاء المقبل في 26 نيسان الجاري لتنغص فرحتهم.
وفي وقت اعتقد النواب أن تمّ ترحيل مشروع القانون إلى ما بعد الانتخابات النيابية فوجئوا بالرسائل المتبادلة بين المجلس النيابي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي التي أحيته من جديد. فميقاتي عاجل المجلس فور تعطيل الاجتماع الموسع الأربعاء الماضي برسالة سجلت يوم الخميس في قلم الامانة العام للمجلس رد فيها على مجموعة من الإيضاحات التي طلبها النواب بشأن ما قالت به مسودة خطة التعافي والتي يريدون الاطلاع عليها قبل البت بالقانون العتيد الذي طال انتظاره منذ بداية الازمة في الثلث الاخير من العام 2019.
على هذه الخلفيات تعددت السيناريوهات التي تحاكي ما هو منتظر من المواجهة الجديدة المنتظرة في ساحة النجمة يوم الثلاثاء الماضي بين النواب والنقابات والمودعين بعدما شكلت دعوة بري لاستئناف البحث بالمشروع صورة واضحة عن تضامن راس السلطة التشريعية مع رأس السلطة التنفيذية في مواجهة رافضي القانون الجديد واصرارهم على تحدي الاطراف التي تناهض التوجه الحكومي والنيابي تجاه ما يسمونه “بنية المشترع شطب 60 مليار دولار من الديون المترتبة على الدولة اللبنانية نتيجة اسرافها بالتصرف بما استدانته من مصرف لبنان الذي تمادى باستخدام اموال المصارف التي سعت الى كسب غير مشروع بنسبة كبيرة من الفوائد وجراء استخدام الهندسات المالية وصولا الى المس بالإحتياطي الإلزامي وتحميلها كلها للمودعين”. بالإضافة الى الربط الجديد بين رفضهم المطلق لاستئناف البحث بهذا القانون قبل “إقرار خطة التعافي الاقتصادي والمالي” وتحديد الخسائر لمعرفة المساحة التي سيكلف بها القانون لضبط حركة الأموال وتنظيم التصرف بها وحركة انتقالها في الداخل والخارج.
وما زاد من حجم المواجهة ان اعتبرت الكتل النيابية الرافضة لصيغة الحكومة ان ميقاتي ليس “صادقًا” في تعهداته بحماية أموال المودعين بعدما أحال قانونًا ينسف مضمون رسالته التي وجهها الى المجلس النيابي ويجعلها من دون أي قيمة فعلية قياسًا على ما تسرّب من مضون خطة التعافي وكيفية التعاطي مع حجم الخسائر وكيفية توزيعها. ولذلك سيجمع طرفا الصراع من اليوم وحتى الثلاثاء قواهم لتكون المواجهة امام المجلس النيابي اقسى مما جرى يوم الأربعاء الماضي. فالى جانب الحراك الشعبي الذي تستعد له مجموعات عدة فإن نقباء المهن الحرة سيلتقون قبل ظهر الإثنين المقبل في مركز نقابة المحامين في بيروت بصورة طارئة في أول رد عملي على دعوة بري وللتأكيد مرة جديدة على اعتراضهم على الصيغة المقترحة بمعزل عن رزمة القوانين الاخرى الملازمة لما تتضمنه من شوائب ومخالفات قانونية ودستورية جسيمة وتدابير استثنائية ومجحفة وغير عادلة. وهم يتجهون من اليوم للدعوة الى التحرك قبيل انعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة في محاولة لتعطيلها قبل ظهر اليوم التالي.
وعليه، وبمعزل عما ستشهده ساحة النجمة يوم الثلاثاء المقبل يبقى الاهم التوقف عند تأثيرات ما يجري على المفاوضات التي بدأت بين لبنان وصندوق النقد الدولي. فالاتفاق الذي تم التوقيع عليه “على مستوى الموظفين” رسم خريطة طريق الى التعافي والانقاذ ووضع القانون المنتظر لـ”الكابيتال كونترول” على لائحة الخطوات الاربعة التي على لبنان الالتزام بها للانتقال الى المرحلة الأكثر جدية لتوقيع الاتفاق مع ادارة الصندوق وتحديد المراحل التنفيذية المطلوبة لولوج طريق الانقاذ. ولذلك فان عدم التوصل الى البت بقانون الكابيتال كونترول يعني استحالة المضي بالخطوات الثلاثة الأخرى: البت بالموازنة العامة وتعديل قانون السرية المصرفية واعادة هيكلة المصارف.
ومن هذه النقطة بالذات يتوسع الحديث عن السيناريوهات السلبية المنتظرة في الايام المقبلة والتي عززها فقدان السيطرة على سعر الدولار الأميركي وزاد من صعوبة مواجهتها. فقد فشلت مجموعة التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان في لجمه عدا عن الصعوبة التي ظهرت في إدارة الوضع النقدي عبر منصة صيرفة التي انهارت أمام ارتفاع سعر الصرف بفوارق كبيرة لا يحتملها المركزي والتي باتت تهدد باستنزاف ما تبقى لديه من اموال الاحتياطي الالزامي الى درجة تعيق امكان الوصول الى اي مرحلة لتوحيد سعر الصرف وتأمين الحد الادنى المطلوب من العملات الصعبة لضمان استمرار تأمين لقمة الخبز والأدوية وغيرها من المواد التي لا يمكن وقف دعم اسعارها.
وبناء على ما تقدم طرحت مراجع معنية مجموعة من الاسئلة عبر “المركزية” ومنها: هل سيؤكد الرئيس بري مرة أخرى القدرة على الإيفاء بوعد قطعه أمام وفد صندوق النقد بالتكافل والتضامن مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بامرار القانون؟ وما سيكون عليه موقف الكتل النيابية التي رفضته الأربعاء الماضي؟ وهل ان نواب كتلة “لبنان القوي” تمردوا على رغبة رئيس الجمهورية بإمرار القانون كما تعهد لوفد الصندوق قبل توقيع الإتفاق برعايته؟ وهل يمكن ان تكون هناك قوة قاهرة تتجاوز قدرات هؤلاء جميعًا ترغب بإلقاء تبعات الموافقة على القانون على عاتق المجلس النيابي الجديد الذي سيولد فجر 22 أيار المقبل؟