هل لبنان مقبل فعلاً على كارثة تقنية؟
شهد لبنان بلبلةً في الأيام القليلة الماضية في ما يتعلق بقرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي إلى الأسبوع الأخير من شهر نيسان، إذ أعطى فريقٌ من المواطنين الموضوع طابعاً طائفياً فيما استغرب الفريق الآخر لاسباب تقنية مبرّراً بأن الأجهزة الإلكترونية تُحدّث التوقيت تلقائياً.
ولكن قبل الغوص في هذا القرار بالتفصيل، لنراجع معاً تاريخ بدء العمل بالتوقيت الصيفيّ، والسبب الذي يقف وراءه.
ما هو التوقيت الصيفي؟
بالعودة إلى تاريخ العمل بهذا الحدث عالمياً، كان الأميركي بنجامين فرانكلين أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي في عام 1784، وهدَف من زيادة التوقيت الرسمي ساعة إلى تبكير أوقات العمل والفعاليات العامة الأخرى، لكي تنال وقتاً أكثر أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجاً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، وتتقلَّص من هذا الموعد حتى ذروة الشتاء.
هذه الفكرة لم تؤحذ على محمل الجدّ إلا في بداية القرن العشرين، ولأوّل مرّة أثناء الحرب العالمية الأولى، حين أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على إيجاد وسائل جديدةٍ للحفاظ على الطاقة، فكانت ألمانيا وحلفاؤها من دول المحور، بدءاً من عام 1916، أوّل دول استخدم التوقيت الصيفي، وكان الهدف من ذلك حفظ الفحم خلال الحرب. بعد ذلك، لحقت بريطانيا وأغلب حلفائها وكثير من الدول الأوروبية المحايدة بالحدث.
وانتظرت روسيا وقليلٌ من الدّول حتى السنة التالية. وتبنّت الولايات المتحدة التوقيت الصيفي في عام 1918. منذ ذلك الوقت، شهد العالم العديد من التشريعات والتعديلات والإلغاءات لتحسين التّوقيت. وبدأ العمل في لبنان بالتوقيت الصيفي، وفق قرار اتّخذه مجلس الوزراء في عام 1998. يبدأ العمل بهذا التوقيت يوم الأحد في الأسبوع الأخير من شهر آذار، وينتهي العمل به يوم الأحد في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول.
هل لبنان مقبل فعلاً على كارثة تقنية؟
في حديثٍ لـ “النهار”، ذكر الخبير في التحوّل الرقمي، بول سمعان، أنّ جميع أوقات الدول يتمّ حفظها في بروتوكول وقت الشبكة أو “NTP”، وهو عبارة عن شبكة لمزامنة السّاعة بين أنظمة الحاسوب عبر شبكات بيانات ذات زمن انتقال متغيّر.
وأضاف سمعان أن التوقيت الصيفي للبنان موجود في هذا البروتوكول، لذلك جميع الأجهزة الإلكترونية المتّصلة بالإنترنت تقوم بالتواصل مع هذه الشبكة، ويتم تغيير الوقت تلقائيّاً. وبالإضافة إلى ذلك، سيتمّ تغيير توقيت جميع التطبيقات المتّصلة بالشبكة أيضاً، إلا إذا قام المستخدمون بتغيير المنطقة الزمنيّة يدوياً.
ويكمل سمعان حديثه قائلاً إن لهذه الخطوة تأثيراً ليس فقط على الأجهزة الإلكترونية، بل على قطاعات عدّة، منها المستشفيات والمصارف والشحن التي هي بطبيعة الحال متّصلة بشبكة الإنترنت، وفي أغلب الأحيان تكون متّصلة بخوادم خارج لبنان، والتي بدورها متّصلة بشبكة “NTP”، ممّا سيُجبر هذه القطاعات على تغيير التوقت تلقائيّاً.
وفي مسعى لتجنّب الوقوع في هذه المشكلات، قامت الحكومة بإرسال رسائل نصيّة تُطالب فيها المواطنين بتعديل إعدادات السّاعة في هواتفهم من أوتوماتيكيّ إلى يدويّ لتجنّب تغيير الوقت على الشاشة. ولكن المشكلة تقع هنا عند الأشخاص غير الملمّين بالتكنولوجيا أو في حال نسي بعض الأشخاص القيام بهذه الخطوة.
وعند سؤاله عمّا إذا كانت هذه الخطوة ستسبّب كارثة تقنية في البلاد، أجاب سمعان: “هذه الخطوة ستؤدّي إلى خلل في بعض القطاعات، لكنّها لن تسبّب كوارث تقنيّة بالمعنى الحرفيّ”.
وختم حديثه قائلاً إن الحكومة اتّخذت هذا القرار باستخفاف شديد، ولم تأخذ بعين الاعتبار أن العديد من القطاعات ستتأثر بسبب هذا القرار، وكان من الأفضل تبليغ هذه القطاعات بالقرار منذ عدّة أشهر لتتمكّن من اتّخاذ الإجراءات المناسبة.