بعد زيارة الموفد الاميركي اموس هوكشتاين الأولى بتاريخ 19/10/2021 الى لبنان ولقائه الرؤساء الثلاثة ميشال عون، نبيه بري ونجيب ميقاتي، أعلن الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في اطلالة متلفزة ما يلي: ” إذا كان العدو يتصور أنه يستطيع أن يتصرف كما يشاء في المنطقة المتنازع عليها قبل حسم هذا النزاع، هو مشتبه ومخطيء.
المقاومة في لبنان، في الوقت المناسب وفي اللحظة المناسبة عندما تجد أن نفط لبنان وغاز لبنان، ولو في المنطقة المتنازع عليها، هو في دائرة الخطر، ستتصرف على هذا الأساس وهي قادرة أن تتصرف على هذا الأساس”.
وفي خطابات عدة لاحقاً أعلن السيد نصر الله أن المقاومة تقف وراء الدولة في هذا الملف لناحية تحديد حدودها البحرية والمنطقة المتنازع عليها.
نقطة رأس الناقورة براً
منذ ذلك التاريخ بدأ موقف الدولة اللبنانية يتبلور رسميا لناحية تحديد المنطقة المتنازع عليها والذي بدأ بإعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ببيان رسمي بتارخ 13 تشرين الاول 2020 “أنه أعطى توجيهاته للوفد التقني المكلف بالتفاوض غير المباشر، استناداً إلى الاتفاق الإطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية، على أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً، التي نصت عليها اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923، والممتد بحراً استناداً إلى تقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقاً لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي”. أي التفاوض إنطلاقا من الخط 29.
تم تتويج موقف الدولة اللبنانية الرسمي حول تحديد المنطقة المتنازع عليها عندما أرسل وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب رسالة الى الامم المتحدة بتاريخ 25/1/2022 أهم ما تضمنته الاتي:
- أنها ارسلت بناء على توجيهات الحكومة اللبنانية،
-
تذكيرها بالخط الذي طرحه الوفد المفاوض في الناقورة الذي يسمح بتوسيع النشاطات الاقتصادية جنوبا (أي الخط 29).
-
عدم اعترافها بالمنطقة الاقتصادية الخالصة الاسرائيلية واعبار حقل كاريش متنازع عليه.
-
تحذيرها للأطراف الثالثة (شركات النفط والغاز) من العمل في المنطقة المتنازع عليها لصالح اسرائيل.
-
تذكيرها باحتفاظ لبنان بتعديل المرسوم 6433/2011 في حال فشلت المفاوضات.
الرسالة
أتت هذه الرسالة رداً على رسالة إسرائيلية ارسلت الى الأمم المتحدة بتاريخ 23/12/2021 تعترض فيها على فتح لبنان لدورة التراخيص الثانية في مياهه البحرية، حيث اعتبرت اسرائيل أن حدودها البحرية تمتد الى الخط 1، وبالتالي تعتبر أن كامل منطقة الـ 860 كلم مربع تعود لها، وتحذر الشركات من العمل في هذه المنطقة لصالح لبنان. وبالتالي يكون العدو قد تمسك بالخط 1 اللاتقني واللاقانوني بشكل رسمي ولم يتنازل عنه، الأمر الذي يستوجب على لبنان أن يتمسك بالخط 29 التقني والقانوني وفقا للقانون الدولي واجتهادات المحاكم الدولية، لا سيما القرار الاخير لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 12/10/2021 حول النزاع على الحدود البحرية بين الصومال وكينيا، والذي أتى ليدعم الموقف اللبناني بالنسبة للخط 29.
في شهر شباط الماضي نشرت سلسلة مقالات تضمنت وثائق وخرائط لا يشوبها أي شك، من أن الخط 23 والذي صدر بالمرسوم 6433/2011 قد رسمه الاسرائيلي في العام 2009 لحماية حقول النفط والغاز لديه، وبالتالي أصبح من المستحيل أن يتمسك أي مسؤول لبناني بهذا الخط، والذي تبيّن بناءً على دراسات معمقة أنه خط عشوائي لا يمكن الدفاع عنه، إضافة الى صدور رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل مؤخراً تقترح تعديله في مجلس الوزراء لوجود عيوب تقنية وقانونية فيه.
بيان محمد رعد
بتاريخ 28/2/2022 صدر بيان عن النائب محمد رعد أعلن فيه أنه “ليعلم العدو ومن يتواصل معه، وسيطا وغير وسيط، أن إسرائيل لن تتمكن من التنقيب عن الغاز في جوارنا ما لم ننقب عنه نحن ونستثمره كما نريد”، وشدد على أنه “سنبقي غازنا مدفونا في مياهنا الى ان نستطيع منع العدو من مد يده على قطرة ماء من مياهنا”، كما لقب اموس هوكشتاين بـ”الثعلب الذي يريد قسمة الجبنة بين المتخاصمين في لبنان”.
وجاء هذا البيان رداً على العرض المجحف والمنتهك للسيادة اللبنانية الذي قدمه اموس هوكشتاين والمعروف بالخط المتعرج داخل المياه اللبنانية في منطقة الـ 860 كلم مربع. حيث أصبح واضحاً ان الهدف من هذا الطرح هو ليس قبول أو رفض أو طلب تعديل هذا الخط، بل الهدف الحقيقي هو نقل النزاع من حقل كاريش الى حقل قانا، ومن مساحة الـ 1430 كلم مربع الى مساحة الـ 860 كلم مربع، والى جر لبنان الى لعبة التفاوض التي تبدأ ولا تنتهي حول تقاسم الحقول الذي يعلم الاسرائيلي مسوحاتها ونجهلها نحن، اما لماذا هذا التفاوض يبدأ ولا ينتهي؟
الخط المتعرج
فالجواب في حقل افروديت الذي هو خير شاهد على ذلك بين قبرص واسرائيل، حيث بدأ النقاش حول تقاسمه العام 2012 ولا يزال حتى الان وهما دولتين صديقتين. فكيف بتقاسم حقل قانا وحقول النفط والغاز غير المكتشفة لغاية الان في البلوك رقم 8 الذي يريد أموس هوكشتاين من خلال عرضه الخطير أن يقضم جزءاً منه. كما أن الخط المتعرج الذي اقترحه هوكشتاين لا ينطلق من نقطة رأس الناقورة، وهذا أمر في غاية الخطورة في حال القبول به أو بتحريك هذه النقطة حيث سيفتح المجال لتحريك ونقل أي نقطة برية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهذا أمر لا نقاش فيه وفقا للدستور اللبناني كون الحدود البرية مرسمة ومتفق عليها منذ العام 1923 وفقا لاتفاقية بوليه – نيوكومب.
إضافة الى ذلك، يقول البعض أن الخط 29 هو خط تفاوضي ولا يمكن التمسك به، فكيف يسمح لنفسه بهذا القول والاسرائيلي لا يزال متمسكاً ببدء المفاوضات من الخط 1 وهو يعتبره خط تفاوضي. هل يجوز التمسك بالخط 23 الذي لا يمكن الدفاع عنه والتفاوض على أساسه، ولا يجوز بدء التفاوض من الخط 29؟ كل دول العالم دون استثناء والتي ذهبت الى المفاوضات أو الى التحكيم بشان حدودها البحرية، طالبت بحدها الاقصى وفقاً للقانون الدولي ومن ثم توصلت الى حل عادل ومنصف، والدليل على ذلك أن اسرائيل لم تطالب فقط بحدها الاقصى والذي هو خط هوف، بل تعدت ذلك الى ما بعد حدها الاقصى أي الخط 1 الذي لا يتعارض مع القانون الدولي على عكس الخط 29، فكيف يتنازل لبنان عن بدء التفاوض من هذا الخط المحق والمتين؟
معركة سيادة وكرامة
لكل هذه الأسباب المجتمعة، هل سيسمح الحزب بالتخلي عن الخط 29 القانوني والتمسك ببدء المفاوضات من الخط 23 اللاقانوني الذي رسمه الاسرائيلي في العام 2009 وتبنته اللجنة اللبنانية المشتركة أنذاك؟ هل سيقبل بإعادة نقل النزاع الى داخل المياه اللبنانية في المنطقة البالغة 860 كلم مربع ما بين الخط 23 الاسرائيلي والخط 1 الاسرائيلي؟ هل سيسمح للعدو ببدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش بعد وصول سفينة الانتاج من سينغافورة في الايام القلية القادمة وابقاء نفطنا وغازنا في حقل قانا لحين أن يرضى العدو على كيفية قسمته وهو الذي لن يرضى بذلك أبدا؟ من يعلم بتضحيات المقاومة وبوعد قائدها يطمئن بأنه لن يسمح للإسرائيلي ببدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش قبل حصول لبنان على كامل حقوقه في المنطقة المتنازع عليها والتي تم تحديدها رسمياً بموجب الرسالة التي أرسلها لبنان مؤخراً الى الامم المتحدة. هذه معركة سيادة وكرامة ومحافظة على حقوق الشعب اللبناني وأجياله القادمة في مياهه البحرية المليئة بالنفط والغاز والتي نحن بأمس الحاجة إليها، فكيف نتخلى عنها؟