يكفيني منك سربُ طيور يزيّن سماءَنا الموشّح بالغيوم، يبعث فينا إذا رفّت أجنحته مواعيدَ تجدّدِ الحياة.
يكفيني منك ثلجٌ أبيض، يُجري فيك إذا اشتدَّ العطشُ مزاريبَ رحمةٍ، تُسيلُ مدامع الندى في بساتيننا، وثغاءَ نعاجِنا، وهديلَ حمامنا، وخريرَ مياهنا الّتي تنعش الله.
يكفيني منك زهوُ براريك، وتغاريدُ عصافيرك واشتعالُ أجنحةِ فراشِك فوقَ أزاهيرِك الملتهبة ألوانًا.
يكفيني منك صيفٌ، تضيقُ أخراجُ فلاحيه على ثمارٍ، لا تتّسعُ لها مذاقاتُ الأرضِ، إذا تَسَلْسَبَت على أغصانِ كرمتِك خمرًا، يفجّرُ فضاءات الإبداع.
يكفيني منك صبايا، ينافسنَ حورَ العيون، رغم كلّ كُفْرٍ نُنْعَتُ به.
يكفيني منك أنّك رغم كلّ آلامِك وأوجاعِك، وحروبِك، وتعبِك، وهجرِك، ووداعِك، ونفيِك، وإفلاسِك، وحرمانِك، وقهرِك، وفقرِك، وإذلالِك الّذي تعرّضتَ له، لا زلت لبنانَنا الذي نباهي بإرثِه الدّنيا، وبصبرِه الدّهور، وبغناه كلّ خزائنَ الأرضِ ذهبًا وكنوزًا.
يكفيني منك أنّك أقمتَ للجمال احتفالية خالدة أسميتها فيروز، وللموسيقا نهرًا أسميته الرّحابنة، وللإبداع جبالًا تبدأ بجبران، ولا تنتهي به.
يكفيني يا لبناني أنا، أنّ طينك تخضّب بدماء أحبتنا ذرّة ذرّة، وما أمطرت غيومُك إلّا حياة قامتْ بقيامة المسيح، وما تمكّنتْ جحائم الأرضِ على عجائب صلاتِك في المتعبين.
يكفيني يا حبيبي، أنّك تشدّني إليك قبورُ أحبّة، لا أستبدلهم بقصور كلّ أحياء الأرض.
يكفيني منك أنّك حدثٌ نظّمتْه السّماء للحبّ والتّلاقي، رغم كلّ أسافين التفرقة، الّتي تدق في تشققاتِنا الموجعة.
يكفيني منك أنّك ضحكي، ورقصي، وعرسي، وعيدي، ودمعي، وبكائي، وشوقي، وأنك ترابي الّذي صيرني إنسانًا، وترابي الّذي سيعيدني إليك عنبًا وتفاحًا وكرزًا وخضارًا، يشتريها سواك بنصف كنوزه الّتي لن تدوم.
خالدٌ أنت فينا، ومحالٌ أن نزول وللكون قلبٌ اسمه لبنان.