“أمل” تجنح نحو “البرتقالي” رداً على موقف “القوات” من بري
لم يشكل عنصر مفاجأة لحركة “أمل” ان يعلن النائب في كتلة “القوات اللبنانية” جورج عدوان ان الكتلة ليست في وارد التصويت للرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب بعد انتخابات 15 أيار، إذ إن الحركة ورئيسها يعلمان ان نواب هذه الكتلة لم يسبق لهم ان انتخبوا بري للمنصب الذي يتولاه منذ عام 1992، وتحديداً منذ أن خرج رئيس حزب “القوات” سمير جعجع من السجن عام 2005 بقانون عفو صدر عن المجلس بتبنٍّ من الرئيس بري بعد التحولات الجذرية التي طرأت آنذاك على المشهد السياسي بفعل جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
من حينه ارتضى بري إدارة لعبة “هدنة باردة” هي أقرب الى التساكن مع فريق “القوات” إنْ من خلال نشاطات مجلس النواب ولجانه، وإنْ من خلال زيارات محدودة ولكن منتظمة للنائبة ستريدا جعجع إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وزيارات مماثلة لعدوان نفسه بصفته رئيسا للجنة الادارة والعدل. وتواكَب كل ذلك مع محطة اخرى تنطوي على دلالات تمثّلت في ان الخطاب السياسي لرموز حركة “أمل” خلا من أي سجال مع حزب “القوات” خلافاً لواقع الحال مع “التيار البرتقالي” والعهد الرئاسي، وذلك بناء على قاعدة ان “القوات” هي قوة سياسية موجودة لا يمكن تجاوزها من جهة، وإنفاذاً لتوجهٍ كانت الحركة ورئيسها قد أقرّاه ويقضي بخفض منسوب “النزاعات وحدّة الصراعات مع المكونات الى أدنى مستوى، أو تلافيها إن أمكن ما دام ثمة توجه عام الى طيّ موروثات سنيّ الحرب.
لكن ما أثار فضول رموز الحركة اخيرا هو: لماذا اختار فريق “القوات” بلسان الشخص الثاني فيه هذا التوقيت بالذات لتكرار أمر معلن وترداد توجه معروف، واستطرادا لماذا قرر هذا الفريق ان يرفع مستوى السجال ويظهر الخلاف المستتر مع رئيس السلطة التشريعية، أي مع القوة السياسية الشيعية الثانية، وهو الذي يخوض صراعا مفتوحا منذ زمن بعيد على التصعيد والاحتدام مع الفريق الشيعي الآخر، أي “الحزب”؟
أما عنصر المفاجأة الآخر فهو ان رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بادر بعد ايام قليلة من اعلان عدوان الى اطلاق خطاب فحواه انه يعترف بالشيعية السياسية غير الايرانية (أي “أمل” وفضل الله وشمس الدين) ويدعو الشيعة بعمومهم الى “الانعتاق من القبضة الايرانية” لكي ينطلق وإياهم في رحلة شراكة سياسية جديدة.
تتهم مصادر قيادية في حركة “أمل” “القوات” “باعتماد الخطاب والممارسة الحافلين بالتناقض والازدواجية، وان ذلك مثبت لدى الحركة منذ القديم”. لكن ومع ان الحركة ورئيسها لديهما قرار وتوجه معمم بتجنب فتح اي سجال مع “القوات”، خصوصا هذه المرة بناء على اعتبارات عدة، إلا ان “العقل السياسي” في الحركة لم يترك الأمرين، كلام عدوان وتصريح جعجع تجاه الحركة ورئيسها، يمران من دون تمحيص وسبر للاغوار بحثاً عن الخلفيات والابعاد المضمرة التي حدت بهذا الفريق الى المضي في نهج “استدراج الصدام” مع الحركة. لا شك في ان قيادة الحركة تقيم منذ أحداث الطيونة الدامية على استنتاج فحواه “ان هذا الفريق يتعاطى مع المرحلة الراهنة وكأنها فرصته الذهبية السانحة لاستعادة مجد تليد واسترداد ملك سياسي فُقد منذ عقد التسعينات”، على ما تقول. فالملاحظ عند هذه القيادة “ان زعيم “القوات” دخل في سباق محموم مع الوقت، وهو يبذل جهدا استثنائيا ليكرس لدى من يعنيهم الامر انطباعا فحواه انه صار الرقم الاصعب، واستتباعا صار الامر الواقع الذي لا يمكن تجاهله في ساحته، وقد يبسط نفوذه عليها، وبات امر استرداد الامر والنهي فيها مسألة وقت، وانه يعدّ العدّة ويهيىء المسرح لكي ينفذ الى الساحات الاخرى، وتحديدا الى الساحتين السنية والشيعية”.
وتقول المصادر القيادية في الحركة اياها انه لا يمكن منع اي راغب في ممارسة رقصته السياسية ارتكازا على حسابات ورهانات قد تبدو مغرية، فذلك خياره وحقه، ولكن من حق الآخرين، وخصوصا الذين يستشعرون انهم معنيون، ان يطلقوا نفير التحذير والتذكير من مغبة الدفع بالامور نحو خوض غمار مغامرة جديدة غير مأمونة العواقب. واذا كانت قيادة الحركة تعتبر ان الفريق اياه يراهن ضمناً على ان الحركة عموما لا تخفي انها تجنح صراحة الى التقليل قدر الامكان من حدة السجالات الاعلامية وافتعال الاشتباكات السياسية مع الآخرين إنفاذا لتوجه واضح، فان ذلك، على بلاغته، لا يعني ان قيادة الحركة في وارد الخضوع لمقتضيات امر واقع يجد البعض الفرصة مؤاتية لفرضه وترسيخه. لذا فان هذه القيادة لا تجد غضاضة في اشهار انها متوجسة من كل هذا الضجيج والصخب الذي يمارسه هذا الفريق منذ فترة ويمعن فيه مع دنو موعد الانتخابات النيابية. لذا فان هذه القيادة كان لها رد وقائي تجسّد في “تبريد” حماوة مواجهاتها مع “التيار الوطني الحر” وأخذ قرار الجنوح نحو خوض غمار تجربة شراكة انتخابية لأنها وجدت مصلحة وضرورة في ذلك.