إسرائيل و”الحرب الأهلية”: الفلسطينيون في خطر!

يستفيض المحلّلون في تقدير تداعيات الصراع الجاري حالياً داخل إسرائيل، بين اليمين المتطرّف ويسار الوسط، والذي اتخذ منحى تصاعدياً في الأيام الأخيرة، وترافق مع تحذيرات صادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين، بدءاً من رئيس الدولة أسحق هرتزوغ وانتهاء بالعديد من الوزراء ومسؤولي الأمن، من الدخول في أيام تكون الأكثر صعوبة في تاريخ إسرائيل، منذ قيامها، وصولاً إلى إراقة الدماء والغرق في حرب أهلية.

بالنسبة إلى البعض، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو المسؤول عن الأزمة، إذ يتعمَّد التصعيد هرباً من مأزقه الشخصي والسياسي. ويعتقد آخرون أنّ المسألة تتعلق برفض فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي اتجاه اليمين المتطرّف إلى الهيمنة وتقويض الديموقراطية.

وهذان التفسيران ربما يكونان مقنعين في بعض جوانبهما. ولكن، في أوساط النخبة الفلسطينية تفسيرات أو هواجس أخرى. فالانفجار الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي، والذي قد يشعل شكلاً من أشكال «الحرب الأهلية»، لا يمكن التكهن بتداعياته على الواقع الفلسطيني هناك.

يقول هؤلاء: في المجتمعات المتعدّدة طائفياً أو عرقياً، غالباً ما تنحاز الصراعات السياسية عن منحاها الأساسي لتصبح صدامات طائفية أو عرقية. ولذلك، يُخشى أن ينقلب الصراع الجاري حالياً في داخل المجتمع الإسرائيلي إلى صراع طائفي- عرقي لا أحد يدفع ثمنه سوى الفلسطينيين، وتحديداً أولئك الذين تُطلَق عليهم تسمية «عرب 48».

وما يدفع بهذه النخب الفلسطينية إلى القلق، هو أنّ العديد من أركان الحكومة الحالية هم من غلاة اليمينيين المتطرفين الداعين إلى إقامة الدولة «اليهودية الصافية» وإخراج العرب منها. وفي هذه الحال، لا يمكن استبعاد الشكوك في أن تكون الصدامات الجارية حالياً في الشارع، والتي تُعتبر الأولى من نوعها منذ قيام دولة إسرائيل، مفتعلةً ويُراد منها تحقيق أهداف أخرى ستتبلور لاحقاً.

فمشروع «تدجين» القضاء الذي تصرّ عليه هذه الحكومة، يُراد الانطلاق منه للسيطرة الكاملة على الحياة السياسية، والإمساك بالأجهزة العسكرية والأمنية بشكل وثيق، ما يُضيِّق هامش التحرّك على أحزاب الوسط واليسار. وبعد ذلك، سيكون سهلاً إطلاق أيدي المستوطنين، بدعم مباشر من قوى الأمن، للتوسع. وسيحظى اليمين المتطرف بتأييد هؤلاء المستوطنين، ما يشكّل خطراً على المواطنين العرب.

ويخشى بعض المحللين أن يكون هذا السيناريو هو المُنتظر في نهاية المخاض الجاري اليوم داخل إسرائيل. فـ«تكبير» حجم الصراع في الشارع سيقود إلى اشتعال شرارة المواجهة مع الفلسطينيين في نهاية المطاف، فتتحول من إسرائيلية- إسرائيلية إلى يهودية- عربية، خصوصاً إذا شكّلت قوى اليمين الإسرائيلي المتطرّف جماعات مسلّحة تتمتع بالتغطية.

هذه المخاوف يدركها الفلسطينيون. ولذلك، هم يلتزمون اليوم جانب الحذر والحياد في ما يجري. ولوحظ أنّ المجموعات العربية بقيت بعيدة عن غليان الشارع، لاعتقادها أنّ الأمور قد تنقلب فجأة لتسلك اتجاهات مشبوهة. ولكن نأي المجموعات العربية بنفسها قد لا يكفي لضمان إبقائها في أمان، إذا كان نتنياهو ورفاقه يخطّطون فعلاً للدفع بالمأزق نحو مسارات أخرى.

ويكتسب هذا التحليل أهمية في ظلّ إمساك إيتامار بن غفير بوزارة الأمن، وهو الذي عُرف خلال مسيرته السياسية بتأييده طرد العرب تماماً من إسرائيل وإقامة الدولة اليهودية «الصافية». وإذ يحاول اليوم الإيحاء بإنّه تخلّى عن هذا الهدف، وأنّه بات يقبل ببقاء العرب الذين «يعترفون بدولة إسرائيل»، فعلى الأرجح هو يفعل ذلك للتمويه، وللتمكّن من تولّي المناصب الحساسة في الحكومة بحدّ أدنى من الانتقادات الدولية، ولإشاحة النظر عن المخطط الذي يرمي إلى تنفيذه عاجلاً أم آجلاً، ما يشكّل خطراً مؤكّداً على المواطنين العرب. ويعتقد بعض الخبراء أنّ نتنياهو نفسه بات واجهة لتنفيذ ما يريده بن غفير ورفاقه.

الهاجس الأول الذي يريد المتطرفون مواجهته في إسرائيل هو الخلل الديموغرافي المتنامي لمصلحة الفلسطينيين. فعشية رأس السنة 2022، أصدر مكتبا الإحصاء الفلسطيني والإسرائيلي تقارير إحصائية أظهرت أنّ عدد السكان في فلسطين التاريخية ناهز الـ 14.5 مليون نسمة: 7 ملايين فلسطيني و7 ملايين إسرائيلي يهودي، ونحو 400 ألف صنّفتهم إسرائيل «غير معرَّفين دينياً».

ووفق الإحصاء الفلسطيني، عدد الفلسطينيين في العالم قارب الـ14 مليوناً، بينهم 5.3 ملايين ضمن حدود «دولة فلسطين» (3.2 ملايين في الضفة الغربية و2.1 مليونان نسمة في قطاع غزة، ونحو1.7 مليون في «أراضي 1948»). وهناك نحو 7 ملايين فلسطيني موزعين في دول الشتات، (6.3 ملايين في دول عربية و750 ألفاً في سائر أنحاء العالم).

وهذه الأرقام عن التركيبة الديموغرافية في داخل إسرائيل تثير قلق المتطرفين الإسرائيليين الذين يعتقدون أنّ الدولة الإسرائيلية ستكون مهدّدة فعلاً بعد عقود عدة. ولذلك، لا يريد هؤلاء المتطرفون أي نوع من الحل للملف الفلسطيني، لا حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة، بل يريدون إنهاء الخطر الديموغرافي بأي شكل، قبل أن ينفجر ويصبح أكبر من القدرة على المعالجة.

إلّا أنّ أرقام دائرة الإحصاء الإسرائيلية مختلفة. فهي قدّرت سكان إسرائيل بنحو 9.5 ملايين نسمة، بينهم أكثر من 7 ملايين يهودي (نحو 74%) وقرابة مليوني عربي (نحو21%). وبهذه الكثافة السكانية العربية، خصوصاً في المناطق الواقعة ما بين نهر الأردن وشاطئ المتوسط، يعتقد الإسرائيليون أنّ من المستحيل إقامة الدولة اليهودية «الصافية»، ويرون أنّ الأمر سيكون أكثر صعوبة، يوماً بعد يوم، بسبب تفوّق التزايد السكاني في البيئة العربية.

من هنا، يبدو حيوياً التأمّل في الصراع الذي اندلع فجأة في إسرائيل والتعمّق في خلفياته وتداعياته، لأنّ المخاطر تعني الفلسطينيين لا سواهم، وقد تكون مصيرية

زر الذهاب إلى الأعلى