لبنان بلد فيه الكثير من الطوائف؛ ما يميزه قرب بحاره من جباله؛ كما يتميز بطيبة الناس الموجودين داخله. فيه الكثير من المناطق من الشمال إلى الجنوب.
بيروت هي العاصمة التي تعتبر من أجمل العواصم في العالم بمناظرها الخلابة وناسها المرحين.
الشمال في هذا البلد على الرغم من امتيازه بالجمال والطيية والحنية والحفاظ على التقاليد والحب بين الأهل والأصحاب والغرباء وبأشجاره الضخمة، إلا أنه عايش الكثير من الظلم والفساد والفقر والكثير من الأحداث كان آخرها كما كل البلد أحداث 17 تشرين، لكن طرابلس سمّوها عروس الثورة؛ وهي بالفعل عروس، حيث جمعت الكثير من الناس في الساحات من مختلف الطوائف والأحزاب داخل ساحة واحدة فقط؛ فهم تجمعوا للمطالبة بأدني الحقوق كما كل المناطق.
هذه الأحداث تتابعت إلى حين بدء الأزمة الاقتصادية؛ لكنها أصابت طرابلس في صميمها. فصحيح الناس الموجودين فيها من أكرم خلق الله؛ لكن وجعهم كبير جداً؛ كبير لدرجة باتوا يفرحون إذا تذكرهم أحد بكلمة أو خطاب حتى لو بالكذب أو من أجل الأصوات؛ يفرحون عسى ولعل يُسمع صوتهم بعد الحرمان الذي عايشوه؛ بعد الذل الذي عاشوه ولا أحد ينظر إليهم… لكن الخيبة تظهر بعد هذه الخطابات عندما يتركونهم من جديد ويعودون من دون الاطلاع على أحوالهم وتحسّن أوضاعهم؛ يعودون إلى التأقلم مع أوجاعهم دون سماع إجابة.
لكن عندما وصلت هذه الأزمة الاقتصادية خنقت طرابلس لدرجة لم تعد تستطيع التنفس؛ بات العيد فيها حزيناً جداً؛ بات الجد الكبير يعمل في القمامة فقط ليعطي كسرة خبز في نهاية اليوم لعائلته؛ الأحياء التي كانت تعتبر متوسطة الدخل أصبحت من أفقر الأحياء؛ هذه المنطقة صنفت على أنها أفقر منطقة على شاطئ البحر المتوسط؛ لكن هل من مجيب لذلك؟!
في ليلة 24 نيسان في هذه المدينة وبسبب عدم سماع أصواتهم، وبسبب عدم الاهتمام بهذه المنطقة، وعدم استغلال مواردها من أجل عيش أبنائها، وبسبب يأس أبنائها وعدم وجود خيار آخر غير الهجرة اللاشرعية للتخلص من حاضر بات يلتهم المستقبل بكل مخالبه. حدثت مصيبة كبيرة في هذه المدينة الصغيرة؛ حيث غرق 60 شخصاً في البحر عندما حاولوا الهرب ليجدوا مأوى لهم حتى ولو غير شرعي؛ ذهبوا هرباً من بلد بات لا يؤمن لهم حتى حليب لأطفالهم؛ هربوا من بلد بات لا ينظر لهم إن كانوا في المشفى؛ من بلد بات أرخص ما فيه حياة الإنسان؛ من بلد باتت الكرامة تدعس ولا أحد يبالي؛ من بلد باتت لقمة العيش فيه صعبة لدرجة غير طبيعية؛ من بلد لا يهمه أبناءه؛ من بلد بات كالزريبة لا أحد يستطيع أخذ حقوقه ولا أحد يسمع مواجعه وآلامه.
لكن رغم هذا الهرب من هذه الحياة؛ حتى البحر الهائج لم يتحمل كل ألمهم ورماهم داخله؛ والآن الأم التي كادت تفرح لنجاة ولدها من هذا البلد أصبحت تتألم شوقاً لرؤيته؛ والأخت التي كانت تقول إلى اللقاء مجدداً أصبحت تقول يا ليتني أراك حياً يرزق ولا أريد غير ذلك.
إنها طرابلس الموجوعة دائماً من إهمال السياسيين لمرافئها وأولادها ومستقبلهم؛ إنها طرابلس المحرومة من التنمية طوال حياتها تواجه خطراً جديداً وهو الهجرة غير الشرعية التي باتت الملجأ الوحيد للهرب؛ لكن حتى هذه لم تخلصهم من الجحيم الذي عاشوا فيه.