إن لم نمت في أرضنا لن ينبت الإنسان
إذا مات أحد من رفاقنا القوّاتيين أحزنُ، لكن بتوازن، لأني أقدّر عميقاً معنى أن يموت المناضل في أرضه. وهذا يطمئنني كثيراً، ذلك لأنّ الرّفاق الذين ماتوا في أرضهم، تنبعث تجاربهم ومساعيهم في ذاكرة أولادهم وأحبّائهم دائماً.
فالموت في الوطن له طعم الإياب مساء إلى بيوتنا، وأسرّتنا بعد سفر طويل ومتعب.
أعرف كثيراً ممّن ماتوا بعيداً عن أهلهم وبلادهم، وأعرف كثيراً من ذويهم. أولئك يظلّ يؤلمهم جميعاً أن الطّريق بينهم ما عادت موصولة.
حين يسألني أبن أخي الصّغير عمر عن عمّته ربيعة، أُركبه بالسيارة وأقصد به المقبرة، أُجلسه إلى جانبي، ونتحدث عنها، فأراه يمسح بكفّه حافّة القبر.
إنه يتعلّم معنى الموت في أرضنا، ويعيش حبّها.
قد يمرّ علينا وقت ليس بقصير، لا نقصد فيه قبور من نحبّ، ذلك لأنّنا نعي وعميقاً أنهم معنا، وهنا.
لتظلّ المأساة الأقسى، في قبور بعيدة خارج الوطن، تضمّ أحبّة ورفاقاً مهما سعينا إليها تظلّ نائية.
يعذبنا بعدها، ويحزنها عجزنا في الوصول إليها.
فهنيئاً لكلّ رفيق مات في أرضه، وهنيئاً لكلّ أرض كرّمها موت الرّفاق فيها بزيارات أهلهم إلى قبورهم.
ولنمت في أرضنا، فلا صليب ينتصب في الهواء، أو الرّيح، لأن الصّليب من طين، والطّين من جسد يسوع الذي ما قام إلّا لأنه مات في أرضه.