“الاحتياطي” ينفد و”الاستيراد” في خطر… بوشيكيان لـ”النهار”: التجّار يحاربون الصناعة المحلية
أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن عام 2022 شهد اتساعاً كبيراً في العجز متجاوزاً 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يُعزى إلى ارتفاع أسعار النفط والغذاء وتسارع وتيرة الاستيراد التي سبقت عملية تصحيح متوقعة لأسعار الصرف للأغراض الضريبية. وأدّى ضعف المركز الخارجي وقرارات السياسة النقدية المخصّصة إلى تراجع مطرد في الاحتياطيات الأجنبية حتى بلغت 10 مليارات دولار أميركي في كانون الأول 2022 (باستثناء الذهب)، مقارنة بمبلغ قدره 36 مليار دولار أميركي قبل الأزمة.
وبصيغة مبسّطة أكثر، عنى صندوق النقد الدولي أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الأمور باتت خارج السيطرة، وأن عمليّة الاستيراد متجهة نحو مسار خطير يتمثّل باستنزاف احتياطي مصرف لبنان في غضون أشهر قليلة.
وفيما بلغ حجم الاستيراد في عام 2022 ما يفوق 19 مليار دولار أميركي، بحسب “الجمارك اللبنانية”، وصل احتياطي المركزي من العملات الصعبة إلى 10.4 مليارات دولار في كانون الأول 2022، وإلى 10.2 مليارات دولار في كانون الثاني 2023.
الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أوضح أن “احتياطي المركزي الباقي يبلغ حوالى 9 مليارات و300 مليون دولار. وبما أن المحطة التي تستورد تدفع بالليرة فيما مصرف لبنان يعطيها الدولارات لتتمّ العملية، بالتالي لن يستطيع المركزي بعد أربعة أو خمسة أشهر تأمين الأموال الكافية للاستيراد”.
وأضاف أن “مصرف لبنان سيتخلى حكماً عن هذا الدور لأنه وضع نفسه في مكان ليس له منذ البداية، وكان الأجدى لو ردّ الأموال للناس في البنوك، الذين يمكنهم تمويل السوق بأنفسهم كما حصل في عام 1991”.
وبحسب شمس الدين، “سيبدأ بعد فترة قليلة استخدام دولارات الناس الباقية في المنازل لاستيراد البضائع، فمن معه دولار سيدفع للبضائع التي يحتاج إليها، ومن ليس معه سيلجأ إلى شراء الدولار، ما سيرفع الطلب على الدولار وستنهار الليرة أكثر وسيزداد معدل الفقر، وهذا الأمر لن يتغيّر إلا بحلّ سياسي”.
“صيرفة”
الحلّ السياسي يجب أن يترافق مع وقف طباعة الليرة. فبحسب الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، المشكلة الأساسيّة “نقدية”، “وزيادة الطلب على الدولار تشكّل عجزاً في حساب المركزي، وإذا تمّ تمويل عمليّة الاستيراد بالليرة، ستنهار الليرة أكثر”.
على صعيد آخر، الدولة بمؤسساتها الرقابية عاجزة عن السيطرة على التجار الذين يُسعّرون السلع والبضائع والخدمات كما يحلو لهم. ولفت مارديني لـ”النهار”، إلى أن بعض التجار “المدعومين يستفيدون من احتياطي مصرف لبنان عن طريق منصّة صيرفة غير الشفّافة على الإطلاق والتي تفتح أبواب الفساد في ظل عدم معرفة من التجار الذين يأخذون الدولارات على المنصة، وهو ما يعني أن التجار الذين يستمرّون في أخذ الدولارات من السوق سيستنزفون احتياط المركزي الذي يستمر بدعم السوق بالدولارات”.
ودعا نقيب مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي المعنيين لإجراء إصلاحات فورية، وقال “لا يمكننا أن نستمر بهذا الواقع، فتراجع الاحتياطي يعني تقليص الدورة الاقتصادية، ويعني أيضاً تراجع رقم الاستهلاك الذي ينذر بمخاطر صحية”.
كذلك نبّه من أن “مواصلة السير بهذه السياسة الاقتصادية الخاطئة ستزيد من تدهور الليرة اللبنانية، كما ستجعل المنتجات في السوق الداخلي بأقل جودة”.
“الصناعة بصفر جمرك”
وفي ظلّ كل ما يحصل، لا بديل من الاستيراد إلّا الصناعة المحلية لتلبية حاجات السوق. في السياق، لفت وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال النائب جورج بوشيكيان إلى أن “كل شيء يدخل لبنان للتصنيع من معدات وأدوات ومواد أولية وغيرها، لا جمرك عليه”.
وشدّد لـ”النهار” على ضرورة تغيير النمط السائد في التفكير التجاري الرّيعي، واستبداله بالصناعة التي هي أساس المستقبل، فـ”التجار يحاربون الصناعة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للأسف”.
واعتبر بوشيكيان أن التجار يشعرون اليوم بخطر لأن السوق المحلي تحوّل من 11 في المئة إلى 56 في المئة من الصناعة المحلية، كما ارتفع التصدير وأصبح بحدود 4 مليارات و200 مليون في السنة.
وأضاف أن الخطأ الذي حصل يكمن في استيراد البضائع السنة الفائتة خوفاً من ارتفاع الدولار الجمركي واحتكار السوق كالعادة، “فالتجار استوردوا بحوالى 19 مليار دولار في 2022 كما لو أنهم في عام 2016، فأخرجوا الدولارات إلى خارج لبنان، وخزّنوا البضائع لإعادة بيعها بأسعار مرتفعة، وكان الأفضل لو استُثمرت هذه الدولارات على الصناعة التي تُبقي العملة الصعبة في البلد وتزيد فرص العمل والنمو، فيما التاجر هو المستفيد الحصري من عملية الاستيراد”.