الانتخابات وخلافات إدارية تحجز رواتب مستخدمي “الشؤون الاجتماعية”

في تحقيق نشرته “المدن” بعنوان “مؤسسات ذوي الاحتياجات الخاصة مهددة بالإقفال وتدمير حياتهم الأسرية”، ظهر حجم المعاناة التي تعيشها هذه الفئة من اللبنانيين بسبب “قلة حيلة” وزارة الشؤون الاجتماعية التي أصبحت تحتاج إلى المساعدة بدل أن تُساعِد. لكن ليس أصحاب الاحتياجات الخاصة وحدهم من يُعاني.

فالمستخدمون والعاملون في مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لهذه لوزارة يعانون من الظلم والإجحاف، رغم أن بعضهم حشر في وظيفته على سبيل “التنفيعات”. وبعدما حُلّت أزمتهم المتعلقة بقبض رواتبهم منذ أكثر من عام ونصف العام، تجدّدت الأزمة منذ ثلاثة أشهر، وعادت تحركاتهم الاحتجاجية أمام مبنى الوزارة في بدارو. آخر وقفاتهم الاحتجاجية حصلت في 31 آذار الماضي، مطالبين بحقوقهم من تقاضي الرواتب وبدلات النقل والفروقات العائدة لهم. وقابلوا المدير العام للوزارة عبد الله أحمد الذي شرح لهم أن الموضوع بحاجة إلى قرار من وزير الشؤون، الذي أكد أن المشكلة ليست عنده بل هي إدارية بحتة. وعلم المحتجّون أن ديوان المحاسبة تمنّع عن صرف الرواتب والمخصصات بسبب عدم تسلمه ملف إعادة هيكلة المراكز التابعة للوزارة موقعًا من الوزير.

كيف بدأت الأزمة؟

أنشأت الوزارة 240 مركزًا مخصّصًا للخدمات الإنمائية والاجتماعية على الأراضي اللبنانية. وقد رُصد لها مبلغ 33 مليار ليرة سنويًا، ويعمل فيها ما يُقارب 2100 موظف، منهم حوالي 800 يعملون كمياومين.

وقبل دفع رواتبهم الشهرية، تُرسل الوزارة طلبات إقرار المساهمات إلى ديوان المحاسبة للموافقة عليها، حسبما تكشف مصادر متابعة لـ”المدن”، مشيرة إلى أنه في صيف 2020، حصلت مشكلة بين الوزارة والديوان، بعدما طلب الأخير “توضيحات” في شأن عمل هذه المراكز وجدوى وجود 240 مركزًا وفاعاليتها، واستمر الخلاف مدة من الزمن. فالديوان طلب التدقيق ببعض الفروقات المالية. ووعدت وزارة الشؤون بتنفيذ خطّة لدمج المراكز وتقليص أعدادها ونفقاتها، وهي موزعة بطريقة استنسابية، وتخضع لاعتبارات سياسية وطائفية ومناطقية.

لم تفِ وزارة الشؤون الاجتماعية بوعدها حتى اليوم، رغم إقرار خطّة للدمج وإنشاء 150 مركزًا نموذجيًا في عهد الوزير السابق بيار بو عاصي، ورغم موافقة الوزير رمزي مشرفية على الخطة. لكن الخطة لم تطبيق واستمرت النفقات الكبيرة على حالها، علمًا أن كثرة المراكز يعني دفع إيجارات وتكاليف تشغيلية واشتراك مولدات وتنفيعات. والموازنة المرصودة لم تعد تكفي سوى لدفع الرواتب والأجور. لذلك تمنّع ديوان المحاسبة منذ ثلاثة أشهر عن توقيع طلبات صرف الأموال، قبل تنفيذ خطة الدمج التي تتيح توفير حوالى 12 مليار ليرة سنويًا حسب المصادر، وتمنع الهدر والمحاصصة.

وتشرح المصادر أن خطة إعادة توزيع المراكز بُنيت وفقًا لدراسة علمية تجمع ما بين التوزيع السكاني والحالة الاجتماعية، وهي ضرورية في حال أرادوا للوزارة أن تستمر بعملها. لكن الوزير الحالي هيكتور حجّار لا يريد تبنّي الدراسة في الوقت الحالي بسبب الانتخابات، وقد رفضها مرتين، بلا أي اعتبار لمطلب ديوان المحاسبة ومطالب المستخدمين والعمال. لذلك فالازمة مستمرة وعالقة بين ديوان المحاسبة ووزارة الشؤون الإجتماعية.

الوزير يتهم ديوان المحاسبة

ويرى وزير الشؤون هيكتور حجار أن لا شيء يبرر لديوان المحاسبة حرمان العاملين من رواتبهم، مشيرًا في حديث إلى “المدن” إلى أن ما يقوم به الديوان جريمة بحق هؤلاء العاملين الذين يُحرمون من رواتبهم لأسباب لا علاقة لهم بها.

ويضيف: “أنا تحدّثت مع الديوان وطلبت منه حجز راتبي وأملاكي، لكن لا علاقة للموظفين بما يجري. كما أنّ أحدًا لا يمكنه فرض عليّ دراسة قامت بها شركة خاصة، من دون ملاحظاتي عليها. والأهم من هذا كله لن أسمح باستغلال خطة دمج المراكز سياسيًا وانتخابيًا، فهناك مناطق ستشهد إقفال 40 مركزًا، ومناطق ستشهد افتتاح مراكز جديدة، وبناء أخرى، لذلك لن أسمح بمعارك وهمية في هذا الملف”.

لا ينفي حجار علاقة الانتخابات بتأجيل البت بخطة الدمج، مشيرًا إلى أنه سيزور الديوان الأسبوع المقبل لتسليمهم دراسة أو أكثر عن المشاريع، وخلال أسبوعين سيسلم الديوان دراسة للدمج أو ملاحظات على الخطة السابقة، سائلًا: “هل يستمرالديوان بحجز أموال الناس بعد ذلك؟”.

Exit mobile version