البقاع الغربي وراشيا… خلّي صوتك بلدي
“لأول مرّة بحس بهالقد حماس للانتخابات، لأن لأول مرة عنّا مرشح قواتي حقيقي وعنا لايحة تمثل طموحاتنا بالبقاع الغربي”، تقول ندى، تلك المرأة القواتية حتى العظام، الصبية أم لثلاثة اولاد، التي تحاول ان تزرع فيهم كل قيم حب الارض والنضال والمواجهة ضد منظومة سلاح الحزب وضد فساد السلطة. “لفترة طويلة كنت حس انو نحنا متل ما بيقولوا عنا مسيحيي الاطراف يعني ما النا تأثير، وبيزعلني هالتوصيف المجحف بحق كرامتنا ووجودنا وصمودنا هون، لايحة القوات خلتني اشعر عن جد انو نحنا موجودين من جديد ع الخريطة الانتخابية بهالمنطقة”.
وما بال “المنطقة”؟
ترتخي الشمس هنا بنهم لامتناهي. تلفح الشمس العاشقة سهل البقاع، كمن لا يشبع من عناق حبيب. ثمة اسطورة هنا تُغزل بين الشعاع والتراب وكل كل ذاك الخير المتدفّق من ذاك السهل المتماوج الالوان. تشق طريق السهل كمن يعبر في بحر المواسم والفصول. كفافي الفلاحين البيضاء، تنزّ عرقاً، وعرق الفلاحين هنا، ليس فائض المواسم التي تغمر كل لبنان وحسب، بل صلاة جباه ذاك العنفوان الغامر، تلك الايادي الموشّحة بعروقها النافرة، التي تروي حكاية التعب والنضال والصمود وبركة الخوابي وكوارات الخير.
“لاء نحنا مش مسيحية الاطراف ومش سنة الاطراف ولا دروز الاطراف”، يقول ابو شربل، “نحنا ناس أحرار قاومنا الاحتلال السوري قد ما قدرنا، وهلأ عم نحاول نقاوم الاحتلال الايراني الأصعب، بس ما فش شي صعب عند ربنا إذا نحنا اخترنا الصح وانتخبنا صح”. ومين رح تنتخب ابو شربل؟ “عيب، القوات اللبنانية اكيد، رفيقنا داني خاطر، ما صدّقنا يصير في عنا لايحة بتمثلنا”، يؤكد ابو شربل.
تدور في قرى البقاع الغربي، هنا مزيج متداخل من الانتماءات والطوائف كافة، يشتاق الناخبون السياديون في المكان لمن يمثلهم فعلاً في البرلمان، او لنقل انهم عطشى لنواب سياديين يمثلون تطلعاتهم الوطنية قبل اي مطالب انمائية وما شابه “كل عمرنا ننتخب لغيرنا، بالـ2018 ما قدرنا نحصل على مرشح قواتي خاص منا وفينا فتاهت اصواتنا، ومن انتخبناه بديلاً طعننا ورفض الانضمام الى تكتلنا”، يقول رواد، الشاب القواتي الذي يرفض أن ينتخب هذه المرة من خارج لائحة “القوات”، التي وان تعثرت خطاها بداية، الا انها نجحت بضم باقة من السياديين تليق بعنفوان أهل المكان.
“بقاعنا أولاً”، اسم لائحة القوات اللبنانية في البقاع الغربي وراشيا، تضم المحامي الدولي داني خاطر، ابن بلدة خربة قنافار، عن المقعد الماروني، والعميد المتقاعد محمد قدورة عن المقعد السني، وخالد العسكر المقعد السني الثاني، والمحامية غنوة أسعد عن المقعد الشيعي، وجورج عبود عن مقعد الروم الأرثوذكس، في حين تُرك المقعد الدرزي شاغراً.
“خلي صوتك بلدي”، عنوان حملة المرشح المستقل المدعوم من القوات اللبنانية، داني خاطر. ليش هالاسم؟ “لأني في حال شوق دائم لبلدي لبنان، ومن جهة ثانية، المقصود فيها أن تبقى الأصوات للبنان وأن يكون التصويت لأهل البلد الفعليين وليس لمن يحملون الهوية اللبنانية ويعملون لغير أوطان”، يقول خاطر. والصوت البلدي في المنطقة موزّع بين ست لوائح، أبرزها لائحة الحزب المتحالف مع التيار العوني، ومرشحين يدورون في فلك ما يسمى “الممانعة”، اضافة الى اللوائح الاربع الاخرى المنافسة.
شكّل المرشح داني خاطر، مفاجأة جميلة للقواتيين خصوصاً، وأيضاً للناخبين المستقلين السياديين في المنطقة، وحتى لأشخاص كانوا يُحسبون من حلفاء التيار العوني، الا ان التجارب المرّة التي عانوها من سياسة العهد، والوضع الاقتصادي الجهنمي، وسطوة حزب السلاح، جعل هؤلاء يعلنون انهم سيجربون هذه المرة أشخاصاً جدداً، “والقوات صيتها نضيف وساعدونا كتير بهالفترة وبدنا نجرّبهم هالمرة، كل عمرن هالمرشحين بيشترونا هيك بالرخص، شي بوظيفة، وشي برخصة عمار، هالمرة خلص وصل الموس ع دقن بلادنا وما بقا بدنا حدن يضحك علينا، وما بدنا حدن ياخد بلادنا منا”، تقول أم فادي المتحدرة أساساً من عائلة لطالما كان ولاؤها للتيار العوني.
لكن هل من حظوظ فعلية للائحة سيادية مماثلة، ولمرشح قواتي في المنطقة؟ وماذا يدفع شاباً تخصص في الولايات المتحدة بالقانون الدولي، وهو مستشار قانوني لأكبر شركة مقاولات في الخليج CCC، وعمله ناجح جداً، إلى العودة إلى لبنان ليستقر هنا ويترشح الى النيابة؟
“أولاً طلب الحكيم غالي كتير على قلبي، وقت يطلب مني رجل دولة بمستوى سمير جعجع أمضى عمره بالنضال كرمال بلادو، انك تكون شريك معو بهالمسيرة الصعبة، فهذا امر مشرّف لي”، يقول خاطر. “ويللي بيخليني اكتر أني اترشح، هو اشتياقي لأرضي، اشتياقي اني اعمل اي شي لبلادي واخدمها، لفترة كان بيتي الطيارة ودقت مرارة الغربة ابتداء من الـ2007 وقت دراستي بأميركا، تعبت من العيش في الخارج بسبب هالمنظومة الفاسدة، واخدت تعهد على نفسي اني اعمل المستحيل مع رفاقي لحاول الحد من هجرة الادمغة اللبنانية للخارج. لبنان عن جد محتاج النا”، يقول خاطر، الذي يواجه معركة قاسية في ظل هيمنة واضحة قاتلة للحزب، واكثر بعد، في ظل محاولة البعض الايحاء بأن ما في خبز للقوات اللبنانية في المنطقة، وكأنها منطقة مسجّلة في الدوائر العقارية على اسم هؤلاء الممانعين المفترضين، في حين انها خزّان المقاومين والحزبيين والسياديين.
“جاء الوقت ليعرف الجميع من هم فعلاً مسيحية الاطراف، وما هو حضورهم، ودقت الساعة لإظهار هذا الحضور الفعال، لنثبت أولاً اننا أهل الارض ومن ضمن نسيجها الفاعل والمؤثر، وحضورنا مش ضعيف وما حدن بقا يقول عنا مسيحية الاطراف، وأنا أساساً ارفض هذه التسمية لان فيها ما فيها من محاولة خبيثة لتحجيم دورنا ولتجذّرنا في المكان، خصوصاً أن القانون للكل والكل يحق له ان يتمثل، وبغض النظر عن دعم أي شريك، بالبقاع الغربي ثمة خصوصية نتمثل فيها بقوة، وكل من يتشارك معنا نحرص انو يكون مرشح سيادي، لذلك يجب ان يتحرر الصوت البقاعي ليثبت حضوره في الاستقلالية وفي النضال لأجل كرامة أرضنا وأهلنا”، يشدد خاطر.
ينفلش نيسان فوق المساحات الملونة بربيعها، أهل الارض هنا يقولون، ان 15 نوار هو يوم عيد سيدة الحصاد، وفي هذا اليوم سنحصد كرامة وطننا، وسيدة السماء لن تتخلى عن لبنان ما لم نتخل عنه نحن. خايفين من سطوة ميليشيا السلاح؟ “شو؟ منخفش الا من ربنا ومش حلوو هالسؤال، كل عمرنا مغروزين بهالارض، والسلاح قد ما يتجبّر مش رح يوصل عند ربو، الو نهاية، وبداية النهاية انو نسقطو بالانتخابات” يقول ابو عادل بعنفوان اهل المكان.
وقبل أن تترك السهل تسأل هل من حظوظ فعلية للائحة “بقاعنا أولاً” السيادية، وسط هجمة وسطوة لوائح الحزب؟ “لا يخيفني الحزب سواء ان ربح ام لا، علينا ان نمارس واجبنا الوطني بالاقتراع ضده، ودرب النضال لا تنتهي في لائحة ربحت واخرى خسرت، درب النضال طويلة بدأت مع مقاومين أبطال سبقونا بأعوام، ونكمل الان مسيرتهم حتى الرمق الاخير، وانا أؤمن انو لبنان باقي لاهلو، هيك بتقول شريعة السما”، يؤكد خاطر.
“شمس البقاع الغربي وراشيا، مش رح تعيش ربيعها الفعلي الا إذا انتصرنا لبلادنا، ونحنا هون الصامدين بعز الاحتلال السوري مش رح نتخلى عن صمودنا وتجذرنا كرمال حزب فارسي بدو يبلع الاخضر واليابس، الارض النا وروحي خبري الحكيم انو حتى لو ما بيعرفنا شخصيا، بس نحنا معو ع الحلوة والمرة لانو نضيف وابن اصول”، يقول ابو احمد بغضب العنفوان.
أحلا ما في ذاك البقاع الذي ينبض قلباً وحلا ع الحِلّ، انه متماوج الالوان والطوائف، لكن المزاج العام الغالب يميل الى الوحدة ضد خصم واحد، كي لا اقول عدواً واحداً، وهو السلاح غير الشرعي الذي لا يصادر إرادة الناخبين وحسب، بل عمر لبنان كله وكرامته وكيانه “ونحنا رح نواجه للآخر، ومش رح نتخلى عن بلدنا واهلنا”، يقول داني خاطر، ويذهب الى بقاعه ليواجه مع اهل الكرامة والخير…