تتجّه الحكومة مرة جديدة إلى إقرار زيادات على رواتب الموظفين الذين حصلوا منذ بداية الأزمة الاقتصادية على أكثر من زيادة وصلت الى 7 رواتب. ولكن كما في كل مرة، تبقى مصادر التمويل لهذه الزيادات مجهولة. وما يثير التساؤلات تزامنها مع مشروع موازنة للعام 2024 يلقى معارضة كبيرة شعبياً ونيابياً كما من قبل القطاعات الاقتصادية التي وصفتها بالتدميرية. فكيف سيتعامل مجلس النواب مع هذه الموازنة؟ وهل يمكن للحكومة أن تصدرها إذا فشل البرلمان بالإنعقاد وإقرارها؟
“من الصعب أن تصدر الموازنة بمرسوم اذا لم يترافق مع قانون صادر عن مجلس النواب يعفي من إقرار قطع الحساب قبل إقرار الموازنة”، تحسمها دستورياً عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غادة أيوب، وإن كانت لا تركن جانب الحكومة وما يمكن أن تفعله “على الطريقة اللبنانية”. وتضيف “نحن أمام موازنة لا يمكن السماح بمرورها كما هي، ودورنا كنواب هو الرقابة ومنع تسليط سيف الحكومة على جيوب المواطنين لضرب قدرتهم الشرائية التي تسمح لهم بالعيش بكرامة”.
وأشارت أيوب في حديث لموقع mtv الى “أننا بتنا في لجنة المال والموازنة على وشك الانتهاء من مناقشتها، وهمّنا الآن هو الإسراع قدر الإمكان بدراسة كل المواد والجداول وإحالتها الى الهيئة العامة”، معتبرة أن “ضرر الموازنة على الاقتصاد الشرعي يفوق الفائدة منها، ألا وهي تحصيل واردات للدولة. ودورنا هو تصحيح الأرقام قدر الإمكان”، لافتة إلى أنها “لا تحتوي على أية رؤية تكفل وصول الإيرادات الى خزينة الدولة”.
ولكن ماذا عن مصير الجلسة التشريعية لإقرارها؟ وهل ستحضر الكتل في ظل مقاطعة الجلسات التشريعية؟ تجيب أيوب: “نحدد موقفنا في تكتل الجمهورية القوية في حينه، وسنرى مواقف الكتل بعد الانتهاء من مناقشة الموازنة وإحالتها الى الهيئة العامة، لا سيما في ظل رفض التيار الوطني الحر مناقشة مشاريع قوانين محالة من الحكومة”. وحول إشكالية التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، توقّفت أيوب عند نقطة مهمة، مذكّرة بأن “جلسة مناقشة الموازنة لا تعتبر تشريعاً بالمعنى العام، لأن الدستور اللبناني في المادة 32 نصّ على أن “يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين فالعقد الأول يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الـ15 من شهر أذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار والعقد الثاني يبتدىء يوم الثلاثاء الذي يلي الـ15 من شهر تشرين الاول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد الى آخر السنة”.
في هذه الأثناء تحاول الحكومة تمرير حوافز وزيادات جديدة للموظفين من خارج الموازنة، ما يثير استغراب أيوب، خصوصاً وأن “الموازنة غير صحيحة لناحية تقدير النفقات والواردات لأنها لا تعكس حقيقة الانفاق الذي يتم بالاجمال عبر سلفات خزينة من خارج الموازنة”، معتبرة أن هذه الزيادات تُعطى من دون رؤية اقتصادية شاملة وموجّهة للوصول الى إدارة فاعلة، وقبل اتخاذ خطوات أساسية كإعادة هيكلة القطاع العام أو تخفيض حجمه ونقل الموظفين من إدارات غير منتجة إلى أخرى بحاجة إليهم. وتستطرد: “من المؤكد أن هناك موظفين شرفاء ونزهاء يجب تحسين أوضاعهم المعيشية، لكن ليس بهذه الطريقة الاستنسابية وغير المنتظمة. فنحن لا نستطيع معرفة السياسة الضريبية والاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة”.
“أشبه بإبر مورفين”، هكذا تشبّه أيوب ما تقوم به الحكومة، كاشفة أن هذه الزيادات لا تضاف الى أساس راتب الموظف ولا تُحتسب من ضمن تعويض نهاية الخدمة، وبالتالي هي لا تؤمّن معيشة كريمة لهم بشكل مستدام وكل فترة ستعود الإضرابات ومن بعدها إقرار زيادات إضافية. وهذا ما حصل طوال الفترة السابقة، والزيادات بكل بساطة تُعطى لتحفيز الموظفين على الحضور الى وظائفهم تحت عنوان عودة الإنتظام الى عمل المؤسسات والادارات الرسمية.
“للأسف لا نقوم بأي إصلاح”، تقول أيوب، “فما يجري ليس تصحيح أجور بطريقة صحيحة، والطريقة المعتمدة من خارج الموازنة مستغربة لأننا لا نستطيع معرفة تداعياتها على أرقام الموازنة، خصوصاً وأن لا قطوع حسابات منذ سنوات ولا محاسبة ولا تدقيق بالأرقام”.
العشوائية تحكم مرة أخرى، ليدفع المواطن الثمن كما الاقتصاد برمّته، بدلاً من إقرار خطة نهوض تنقذ ما تبقّى من البلد وقطاعاته.