الرئاسة… مارونية أم وطنيّة؟!
تخوض قريتي الصّويري منذ ثلاثة عقود انتخابات بلديّة على نهج العائليّة. ذلك النّهج الّذي ثبّته عقلان: العقل الأمني السوري أيام احتلال سوريا للبنان، وعقل الأكثرية العددية، الذي روّجت له الثقافات المتوارثة الدينية والعشائرية. تلك الأكثرية غير المنتجة.
وعلى مدار ثلاثين عاماً، لم يقدّم هذا النّهج وإلى اليوم، إلا مرشحين من مستوى تقليدي، يمكن اختصار مقوماته بزعامة عائلية باهتة، أو إمكانيات مالية مشبوهة، أو غطاء عددي قطيعي، فأتت النتائج فاشلة بامتياز، حيث بتنا نعيش في بلدة لا طرقات فيها، ولا كهرباء، ولا ماء، ولا قانون، ينظّم علاقة سكانها فيما بينهم، ولا حقوق ولا واجبات، فنعيش وسط فوضى تتزايد بتزايد السكان الأصليّين واللّاجئين.
بلدة ذات تعليم متدنّي تعاني بأكثريتها، فتحسم معركتها الانتخابيّة على الصّندوق بأكثريّة فارغة، تملأ المقاعد، وتراكم المشاكل.
عندما يسألنا النّاس عن الحلّ، نطرح عدّة نقاط:
أ- تغيير الخطاب الذي عزّز قاعدة الكثرة العدديّة.
ب- تغيير قانون الانتخابات البلديّة، وجعل انتخاب الرئيس من الناس، وفرض شرط حيازة شهادة ثانويّة على المرشح.
ج- تغيير طريقة العمل على أرض الواقع.
ولأنّ تغير قانون الانتخابات البلدية ليس بيدنا نحن الناخبين، اتخذنا خياريّ تغيير الخطاب، وتغيير طريقة العمل قبيل الانتخابات.
كثيراً ما صار يتردّد على مسامع اللبنانيين اليوم بأن أزمة رئاسة الجمهورية أزمة مارونية، وهو طرح مسموم، يهدف إلى إفراغ المحتوى من هذا الاستحقاق.
إن الأكثرية المارونية التي تشكلها “القوّات اللّبنانية” وَضَّحَت، وفي أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من متحدث من كوادرها، أن معركة الرئاسة ليست مارونية، بل هي لبنانية ووطنية بامتياز، إلا أن الأطراف الأخرى القابضة على الأمور، والمتمثلة ببقايا الاحتلال السوري، لا تزال تمارس النّهج نفسه كما في بلدتي، حيث تلجأ العائلات ذات الأكثرية العددية، إلى ترشيح أعضاء من العائلات الأخرى، ممّن لا يملكون أياً من المؤهلات، ولا المقومات في وجه كافة الطّروحات التي تمثل حلاً حقيقياً للخروج من واقع بلدتنا المأزوم.
يسعى الثنائي الشيعي وحلفاؤه في لبنان إلى طرح اسماً مارونيّاً، لا يشكل حلاً للواقع اللبناني القاسي، ولا يملك ما يمكنه من أن يكون حالة وطنية، تستطيع الخروج بلبنان من أزمته، ويجعل الثنائي ومن معه من ذلك الاسم ممراً إلزامياً لملء الشغور الرئاسي، ويتجاهل بهذا الممر الأسس الديموقراطية في الانتخابات، فلا هم يذهبون بمرشحهم إلى الانتخابات بشكل دستوري، ولا هم يفتّشون عن مرشح يشكل ممراً صحيحاً وصحياً للنجاة بلبنان وبكلّ مكوناته.
وهنا نطرح سؤالاً:
إذا كانت أزمة الرئاسة اللبنانيّة مارونية، فلم تسمّون لهذه الطائفة مرشحها، وتضعون العوائق أمام من تسميه أكثريتها؟!
وإن كانت أزمة مارونيّة فقط، فلمَ لا تكتفون بدور المُصوّت والمنتخِب، وتكفّون عن لعب دور المُرشِح الاحتكاري لهذا الاستحقاق؟!
إن مرشح رئاسة الجمهوريّة يحتاج إلى غطاء لبناني وطني من شعبه، ومن واقع بلده، وعلاقاته الخارجية، وبالتالي، إن الموارنة في لبنان لا يمكن أن يُختَزَلوا بمندوب سامي يمثّل نظام البعث في سوريا، ووالي ولاية الفقيه في لبنان، بل إن الموارنة هم الخميرة الحقيقية لرغيف الرئاسة الذي يُعجَن في معجن لبناني أصلي، ليكون خبز السّيادة المشبع، وليس زوادة أجير المياومة.