الصّوم على الأبواب

بعد أيام يفتح الأحبّة المؤمنين من المسيحيّين بيوتهم وقلوبهم للصوم، وبعد شهر سيحل ضيفًا على المسلمين، سأصوم الصّومين، ليس لأجل الأجر والثّواب، ولا لأن السّماء قد تخصّص لي قصرًا فيها، فأنا وصدقًا أقول: لو عدتُ إلى تجربة الحياة، لأبدأها من جديد؛ سأختار حياتي نفسها، بكلّ ما خبرته فيها.

سأختار أبي وأمّي، وأخوتي وأخواتي. سأختار بيتنا القديم، وكلّ طرقات الوعر والشّوك والصّخر، الّتي شقّقت قدميّ الحافيتين.

سأختار كلّ ليالي الجوع، والغربة، والتّعب، والحرمان الّتي ما نِمتُ فيها على غير صبر وشكر.

سأختار كلّ من قابلتهم في حياتي، مسيئَهم ومحسنَهم، خبيثَهم وطيبَهم.

سأختار دموعي وأوجاعي وكلّ أمانييّ الّتي كابدتها.

ليس لأنّها كانت مثاليّة، أبدًا بل لأنّها شكّلتني وحقّقتني، وجعلت منّي ذاتي الّتي أقدّر وأحبّ.

سأصوم لأنّي أحبّ أن أبقى على اتّصال مع هذا الكون، واقعًا وغائبًا.

سأصوم لأنّي أحبّ أن يعرف كلّ الصّائمين إيمانًا أو حرمانًا وجوعًا أنّي أحبّهم.

سأصوم لأنّي أحبّ أن تعرف كلّ شخوص الفقر الّتي كتبت عنها في كتبي، أنّي أحبّها.

سأصوم لأنّي عندما أصوم، تتجلّى الأشياء في مخيّلتي، وتتّضح أكثر.

سأصوم لأكتب، ولأترك فرصة للجوع؛ كي يتخمني.

سأصوم لأنّي أحبّ يسوع العطشان على صليبه. أحبّ مريم الّتي أشبعها الصّمت والبكاء، أحبّ مار شربل الّذي ما صلّى إلّا جائعًا، أحبّ اللّه الّذي عرفته محبّة، ولطفًا، رحمات.

تقبّل اللّه صيامكم جميعًا.

Exit mobile version