الفاتيكان يحسمها.. و3 لاءات
لا يخفي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قلقه على لبنان ومصير شعبه عموما والمسيحيين تحديداً في ظل التدهور الإنحداري الحاصل على كل الأصعدة ولا سيما الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية. وإن كانت دعوة الحوار التي دعا إليها النواب المسيحيين في بكركي قد أخفقت بفعل رفض بعض الكتل الكبيرة لأسباب تراها موجبة وأساسية، إلا أنه لم يلق عصاه ولا الحرم ولن…وعليه وجه اليوم دعوة إلى النواب المسيحيين لعقد خلوة روحية وصلاة في 5 نيسان المقبل في صرح سيدة لبنان – حريصا.
مذ بدأ الراعي سلسلة إتصالات ولقاءات مع سفراء الدول المؤثرة والفاعلة في الساحة اللبنانية، إكتشف الحقيقة ومفادها أنّ لبنان ليس محور العالم مثلما يظنّ البعض، وأنّ العرب والغرب ليسا في وارد التدخّل في القضية اللبنانية، ليس محبّة أو رغبة في ترك القرار المستقلّ للبنانيّين، بلّ لأنهم مشغولون في الأزمات الكبرى، ولبنان تفصيل صغير. وفي كل مرة يزور فيها الراعي عاصمة دولة ما، يسمع الكلام نفسه حيث يُلقى اللوم على اللبنانيين الذين لم يعرفوا حتى الساعة الإتفاق على رئيس للجمهورية. وعندما يَطلب مساعدة هذه العواصم لحلّ المسألة التي باتت مستعصية، يكون الجواب: “إتّفقوا كلبنانيين ونحن نساعدكم”.
لكن كل عواصم العالم في كفة والفاتيكان في كفة أخرى. واللبنانيون مقتنعون بأنّ المرجعيّة المسيحيّة الأولى في العالم لن تترك لبنان. فهي خصّصته بسينودس بين عامي 1994 و1997، وأعطته مساحة مهمّة في السينودس الذي عقدته من أجل الشرق الأوسط. وهذا صحيح. إذا لبنان في صلب اهتمام الفاتيكان، أقلّه لسببين رئيسيَّين: الحضور المسيحي في لبنان والدور السياسي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي للمسيحيّين الفاعل والمؤثر للحضور المسيحي في الشرق الأوسط، الذي هو بدوره مهمّ جداً في الحوار بين الأديان والثقافات وبين الغرب والشرق.
أما السبب الثاني فمرده إلى موجة هجرة اللبنانيين بسبب الانهيار الحاصل في البلاد، وبخاصة المسيحيّين منهم. وما يزيد من قلق الفاتيكان أنّها هجرة كوادر لها حضورها ودورها في قطاعات التعليم والتربية والصحّة والهندسة وغيرها. وهو ما يؤدّي إلى خسارة هذه القطاعات الكفاءات والخبرات لإعادة بنائها والنهوض بالبلاد.
آخر حراك على خط الفاتيكان جاء عن طريق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي نقل اهتمام البابا فرنسيس بمسألة انتخاب رئيس جمهورية.
مصادر مواكبة عن قرب للديبلوماسية الفاتيكانية حرصت في حديث ل”المركزية” على التأكيد بأن البيان الرسمي الصادر عن حاضرة الفاتيكان وحده يُعبّر عن موقف الكرسي الرسولي من مقاربته للقاءات ميقاتي.
في السياق تضيف المصادر أن “الفاتيكان مدركٌ عميقاً تعرض الشعب اللبناني لجريمة ضد الإنسانية من سلب مقدراته، إلى جريمة تفجير مرفأ بيروت، وتعطيل التحقيق بما ينهي إمكانية تحقيق العدالة، وتدمير منطق الدولة واستباحة الخير العام، وانتهاك السيادة وتحويل لبنان إلى ساحة صراعات عابرة للحدود مع انخراط مكونٍ فيه في محور لا يمت بصلة إلى الهوية اللبنانية وثوابتها التاريخية، وتعميم الفساد، والإستقواء بالسلاح. وأي طرح لا يعالج هذه القضايا البنيوية ليس إلا ذراً للرماد في العيون”.
وعن دور المسيحيين في لبنان والشرق الأوسط يتابع المصدر:”الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان، ووثيقة سينودس مسيحيي الشرق الأوسط أضف إليها وثائق المجمع البطريركي الأساس الموجودة في لبنان. أما حلف الأقليات، والإلتصاق بأنظمة ديكتاتورية، والتعمية على ميليشيات خارج الدولة من باب أنها تحمي المسيحيين وغيرهم، فهذه مسارات مدمرة، وثمة من يريد الإستمراربها بإسم الحوار والتوافق والحاجة الأبدية.وللأسف ثمة من يتولى تجميل هذه الحالة الإنقلابية من موقعه الدستوري الحالي كما كان سابقاً”.
واستطرادا يؤكد المصدر أن “العودة إلى الدستور والقرارات الدولية وروح لبنان الميثاقية السيادية هي الأساس، وكذلك الإصلاحات الشاملة”.
أما عن رئاسة الجمهورية شغوراً وانتخاباً فيكشف المصدر عن معادلة تأسيسية في الثابتة الديبلوماسية الفاتيكانية “إنتخاب رئيس أو رئيسة للجمهورية أساسي، لكن ليس على حساب هوية الجمهورية ومعنى القضية اللبنانية الحضارية. من هنا لا تقسيم ولا فدرلة ولا مثالثة، مع رصد محاولاتٍ شرسة باتجاه فرض هذه، وبالتالي من المُلِحّ أن ينتصر حلف المواطنة والأخوة الإنسانية على حلف الأقليات وشدّ العصبيات بما يناقض حقيقة لبنان الرسالة كما قال عنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وهيكل الله كما قال عنه البابا بنديكتوس السادس عشر، وكلام سلامٍ لا بلوى كما قال فيه البابا فرنسيس”.