القضاة رفضوا الحضور: أزمة القضاء-المصارف تحاصر حكومة ميقاتي

اعتبر ميقاتي أن ما يجري هو محاولة لتفجير الوضع في وجهه

لا مؤشرات على أن الأزمة القضائية المصرفية قابلة للحلّ. من يخوض المعركة يستحيل أن يتراجع عنها. بمجرّد عقد جلسة الحكومة المخصصة للبحث في آلية التعاطي القضائي مع المصارف، تحت عنوان المصلحة الوطنية العليا، في السراي الحكومي وبرئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يعني أن رئيس الجمهورية ميشال عون يرفض الحلول، ويرفض أن يكون شريكاً في مثل هذه المقاربة. عون يصرّ على عدم التدخل بعمل القضاء. فيما ميقاتي يعتبر أن ما يجري هو محاولة لتفجير الوضع في وجهه، مهدداً مجدداً بالاستقالة.

القضاة يرفضون الحضور

ما يشهده لبنان أسوأ أنواع المهازل في تاريخه. ثلاثة رؤساء يؤكدون أنهم حريصون على استقلالية القضاء، يجدون أنفسهم يومياً في حالة تدخل بالقضاء ومع القضاة وعملهم، ويمارسون الضغوط عليهم، كل لأسبابه وأهدافه. استبقت جلسة الحكومة بمواقف عالية السقف تم تسريبها عن القاضية غادة عون التي رفضت التدخل بالعمل القضائي، وأكدت استمراريتها بملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة واستدعائه إلى التحقيق يوم الإثنين، وبحال حضر سيتم توقيفه. التيار الوطني الحرّ منح جرعة دعم واضحة المعالم لعون، فيما ذهب الوزراء إلى الجلسة وكانت نية رئيس الحكومة دعوة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومدعي عام التمييز غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، للبحث بصيغة لآلية التعاطي القضائي مع هذا الملف. رفض القضاة تلبية الدعوة لحضور الجلسة لأنهم يعتبرون ذلك تدخلاً في القضاء.

أمنية الكابيتال كونترول

بعد الجلسة قال ميقاتي: لم نجتمع لحماية أي قطاع بحد ذاته، إنما الهدف حفظ التوازنات ومنع الوصول إلى مرحلة تسقط فيها كل القطاعات. أؤكد على استقلالية السلطة القضائية وعدم التدخل بعمل القضاء، وطلب المجلس بأن يأخذ القانون مجراه من دون أي تمييز أو استنسابية لمتابعة هذا الملف، لحفظ حقوق الجميع وفي طليعتها حقوق المودعين، لا سيما الصغار منهم، وأكدنا تكليف وزير العدل بوضع رؤية لمعالجة الأمور القضائية، وكلفنا وزير المال الطلب من مصرف لبنان اتخاذ القرار لعدم تحديد السقوف على السحب المالي من المصارف، بالإضافة إلى سرعة إنجاز خطة التعافي، وتمنينا على مجلس النواب الإسراع بإقرار مشروع الكابيتال كونترول”.
واعتبر ميقاتي أن لا شيء يمنع مجلس الوزراء من دعوة القضاة للاستماع إليهم، لأنهم معينون من قبل مجلس الوزراء، ويمكن للجهة التي عينتهم أن تستمع إليهم لمعرفة الخلل في الجسم القضائي. وعندما سيتقدم وزير العدل برؤية الإصلاحات القضائية، حتماً سيكونون بيننا وسنستمع إليهم.
وتوجه ميقاتي إلى جمعية المصارف “أن تكون متعاونة للخروج من الأزمة، وأن تبقى على قدر المسؤولية”. وقال إنه لا يجب الفرح بقرارات الحجز على المصارف، لأن ذلك سيصيب صغار المودعين، والهدف ليس حماية حاكم مصرف لبنان. ونفى أن يكون كل ما يجري يرتبط بتأجيل الانتخابات، معتبراً أن الاستحقاق الانتخابي “أمر أساسي لإنجازه، ونتمنى عدم إطلاق مثل هذه المواقف كل يوم لأننا نصر على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها”. وأكد ميقاتي أن مسألة استقالته غير واردة أبداً لأنه يريد إجراء الانتخابات النيابية. ورداً على سؤال عن الإجراء المفترض في حال لم يتجاوب القضاة، ولا سيّما مدعي عام التمييز غسان عويدات، أجاب: “منشيلو عالبيت”.

عويدات وعون

في الموازاة كانت تستمر عملية الضرب من تحت الحزام. ثمة من حاول التلويح لميقاتي بفتح ملفات له من خارج لبنان ومن داخله، عبر إعادة التدقيق بحسابات شركة ليبان بوست، وذلك في إطار الضغط عليه. كما أن مدعي عام التمييز غسان عويدات تعرض لضغوط مزدوجة. ففيما طلب منه التدخل لوقف الإجراءات التي تقوم بها القاضية غادة عون قال إنه غير قادر، وقد يتعرض لمحاولة تطويق سياسية وقضائية من خلال شن حملات كثيرة عليه، فلوح ميقاتي بإمكانية إقالة عويدات مقابل تعيين غادة عون في منصب آخر أو تعهدها بوقف تحركاتها القضائية، لكن عون رفض ذلك.

التصعيد مستمر إذا، وهو سيؤدي إلى تداعيات سلبية جداً، قد تردّ عليه المصارف بالمزيد من التصعيد ما بعد الإضراب التحذيري الذي ستنفذه يومي الاثنين والثلاثاء.

الصبر التاريخي!

عندما بدأت الجلسة كرّر ميقاتي التصريح الذي أدلى به بالأمس لجهة عدم التدخل بالشوون القضائية، لكن بعض الإجراءات تأخذ اتجاهات خطيرة وتؤثر على سير العمل القضائي والمصرفي. وأكد ميقاتي أن الوضع في لبنان بلغ مرحلة حساسة، ولا يمكن الاستمرار بالتعاطي مع المصارف بهذه الطريقة، لأن ذلك سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات عقابية من قبل المصارف المراسلة في الخارج، وسيؤثر سلباً على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما سينعكس سلباً على كل القطاعات. وفي حال استمر التصعيد، فإن المشهد قد يزداد سوءاً في الأسبوع المقبل امام المصارف سواءً من خلال الضغط القضائي أو تحركات شعبية احتجاجية.
في المقابل، قال وزير الزارعة عباس الحاج حسن: “نحن مع مبدأ أن تحكم المصلحة العليا أي تدبير يتخذ في الموضوع القضائي المصرفي، ونرفض الاستنسابية في القرارات القضائية. ولو قام القضاء بدوره لما كنّا وصلنا إلى هنا”. أما وزير العمل مصطفى بيرم، فقال إن “هناك شبهة في الرأي العام في أن الحكومة تحركت لحماية المصارف ولم تتحرك من أجل المودعين وحقوق الناس”، فردّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نافياً ذلك، مشدداً على حرصه على التزام القانون والصلاحيات وحقوق المودعين. وقال: “كنا أول من نادينا بالتزام فصل السلطات مع مراعاة ما ينص عليه الدستور والقوانين، ودفعنا دماء من أجل ذلك. ولولا صبرنا التاريخي لدخل البلد في المجهول”، لافتاً إلى أنّ “معالجة النتائج لا يوصل إلى مكان، بل يجب معالجة الأسباب المنتجة للأزمة، وأولها حماية حقوق الناس والمودعين الذين تعرضوا لسوء ائتمان ولا شأن لهم بأن يتحملوا وزر ما حصل بين المصارف ومصرف لبنان والسياسيين”. وأضاف: “إن شعار مراعاة حقوق المودعين لا تساعد عليه اجراءات المصارف التي تقيد سحب العمال والموظفين لرواتبهم. وهنا فإن أول إشارة إيجابية تكون بتحرير الحقوق في الرواتب كاملة”.

Exit mobile version