القوات اللبنانية الى طوكيو وإن طال الزمن
يحضر في بالي مشهد سينمائي قديم يدور حول رهط من الجنود يحاولون منع سقوط علمهم، فكلما حاول جندي غرْزَ العلم مُعلناً الانتصار في معركة احتلال التلة، أرداه رصاص قناص. يسقط الجندي وقبل أن يسقط العلم يُسارع آخر الى الإمساك به. جندي، جنديان، ثلاثة، أربعة، قُتلوا وسقطوا، ولم يسقط العلم، حتى تمكن الخامس والسادس والسابع من غَرْزِهِ ورفرفت الراية معلنة احتلال التلة. كنت صغيراً، وكنت على اقتناع أن الجنود الذين سقطوا كان هدفهم الأهم والأسمى منع سقوط العلم. لم يخطر في بالهم في تلك الثواني السريعة والعصيبة، قطف الانتصار النهائي، بل منع الهزيمة. ثم اكتشفت أن ما شاهدته فيلماً، كان استعادة حقيقية لمعركة ” ايوجيما” التي عُرفت بالصورة الشهيرة ثم بالنصب الشهير في مقبرة أرلنغتون لمشاة البحرية الأميركية. (صورة هذه المقالة). دارت بي الأيام والشهور والسنوات، وأنا، بخلاف كثرة من الرفاق والأصدقاء، كنت على يقين أن دورنا منع سقوط العلم، ولا أحد يعلم متى سيأتي الانتصار، ومن سيحظى لاحقاً، بشرف القول في تلك الساعة: “كنا هناك”.
تقريباً إلى 2017، هكذا كنت أرى الأمور، وهذه كانت اقتناعاتي. ثم مع توالي الأحداث، بدأت تتسرب الى فكري أسئلة جديدة. ماذا لو كنا نخوض المعركة على التلة الخطأ؟ إلى أن تذكرت “معركة ايوجيما”. ازداد اقتناعي بالقضية وبمن هم الخصوم والأعداء، ولكن هل المعركة يجب أن تستمر على هذه التلة بالذات؟ هل الوفاء لمسيرة الشهداء والمناضلين يوجب أن ننتقل إلى تلة أخرى؟ تلة “ايوجيما” كلفت 7000 قتيل أميركي، وهي جزيرة بركانية قاحلة، وتبعد 1200 كيلومتر عن طوكيو! كل أهمية “ايوجيما” أنها ستقرِّب المسافة لإقلاع القاذفات الأميركية، لقصف طوكيو! 7000 قتيل لاستعمال مدرج طيران!
على تلة مماثلة يقف مناضلو القوات اللبنانية اليوم. تلة أرضها قاحلة مؤسساتها مهدمة سيادتها مستباحة. وحيث سقط آلاف الشهداء، ها هم مئات آلاف المناضلين يمنعون سقوط الراية ولا يتعبون ولا ينعسون. من أجل “دولة قاحلة” ندفع الدم والعرق. نُهجَّر ونَفقر ونغضب وتتلاشى آمال، لكننا نواصل الموت والنضال على أرض هذه “الدولة القاحلة”، على رجاء أن يصل رفاقنا، أهلنا، أحباؤنا، وحتى خصوم اليوم… إلى طوكيو.