“القوات” والثورة… خطّ واحد

انضمت منصة ميغافون إلى جوقة الزجل والهوارة لإثارة الضجيج حول القوات اللبنانية التي يبدو أنها تؤرق الزائفين كما تقلق أصحاب مشاريع سلخ لبنان عن كل ما يمثّله من تنوع حضاري، فهؤلاء يعتبرون أن تاريخ لبنان بدأ معهم وأولئك يعتقدون أن الثورة انطلقت معهم… وجميعهم مخطئون.

نشرت منصة “ميغافون” كلاماً لا يعبّر عن أي مضمون ثوري أو سياسي ولا يرتقي حتى إلى مستوى القيل والقال ولا يحمل حتماً حقيقة مجرّدة تُبعِد تهمة الاستهداف المشبوه ضمن مقالة بإسم كاتبها مهدي كريّم بعنوان “القوات والثورة: خطان متوازيان لا يلتقيان”.

أبدأ بالرد لمن يرغب في معرفة الحقيقة المجرّدة والمثبتة من نهاية المقالة المذيّلة بالتشويه والتعمية على ما جرت العادة في الحملات على القوات، “القوات فشلت في استثمار الثورة كما كانت تطمح دوماً”، بحسب رأي الكاتب، إنما الوقائع على الأرض تثبت بما لا يدع مجالاً للشك زيف هذا الكلام. بالعودة إلى 17 تشرين، شارك القواتيون في فعاليات الثورة إلتزاماً بتعليمات مباشرة من رئيس الحزب سمير جعجع الذي طلب الإلتزام بشعارات الثورة.

والحق يقال، إن الإلتزام كان سهلاً بعد اكتشافنا أن الشعارات المرفوعة هي نسخة طبق الأصل عن شعارات القوات. وانتشر القواتيون كجزء لا يتجزأ من الثورة وأقوى نقاط التجمّعات كانت تلك التي يوجد فيها القواتيون، هل نحتاج للتسمية؟ لا، لسنا بحاجة، فالجميع يدرك ذلك بمن فيهم كاتب المقالة والمنصة الناشرة، ولا بأس أن نكشف سراً من دون تفاصيله، هل تساءل الثوار لماذا لم تصل أعمال البلطجة على الثوار إلى حيث وجدت القوات كما حصل في مناطق لم تكن فيها؟ الجواب بسيط، فهذه النقاط كانت بحماية القوات اللبنانية، وأترك للقرّاء الاستنتاج.

مسألة أخرى تؤكد أن القوات لم تسعَ يوماً إلى استثمار مآسي الشعب الذي ثار على هذه المنظومة بل سعت دوماً لوضع إمكاناتها في خدمة الثورة، فاستقال وزراؤها من الحكومة وكان هذا العامل حاسماً في تزخيم الثورة وإعطائها الثقة للاستمرار في الضغط على المنظومة، كما رفضت القوات المشاركة في أي حكومة لاحقاً على الرغم من الإغراءات التي أغدقتها المنظومة على القوات بغية سحب مناصريها من الشارع لإضعاف الثورة بعد فقدان عمودها الفقري وسندها القوي.

مسألة أخيرة في هذا الإطار تؤكد العامل الحاسم للقوات في زخم الثورة وهو خروجها من الشارع بعد انحراف بعض المجموعات إلى أعمال الشغب والتكسير للمؤسسات العامة والخاصة لأهداف مشبوهة وبعناصر مشبوهة بعيداً عن الأهداف المشروعة في مواجهة المنظومة وهذا ما كان له الأثر البليغ في استهداف الثورة من داخلها بحصان طروادة الشغب.

خرجت القوات من الشارع موّحدة ومتراصّة وتابعت ثورتها السياسية من ضمن المؤسسات، ومع خروج القوات خرج الثوار مجموعات متناحرة ليبدأ الاستثمار الحقيقي والمعيب بتضحيات الثوار. خرجت الثورة من الشارع ولم تعد على الرغم من الانهيار والاحتكار وضياع أموال المودعين وانقطاع الكهرباء وفقدان الدواء والمواد الغذائية وملامسة صفيحة المحروقات عتبة الحد الأدنى للأجور. أين أنتم يا مدّعي الثورة؟ نحن نسألكم، نحن حملنا الثورة على أكتافنا وأكّفنا وفي وجداننا ونحملها كل يوم في مسيرتنا منذ ما قبل وجودكم في الشارع إلى ما بعد غرقكم في مستنقع الطمع والجشع ومهادنة المنظومة والتغاضي عن السلاح غير الشرعي.

أما “تفاهم معراب”، فاعتماد الفقرة “5” منه هو اجتزاء مراهق وقاصر لتفاهم متكامل يؤكد على قيام الدولة وتفعيل مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والسيادية، هذا في الشق الوطني العام. أما في الشق المتعلق بالإتفاق بين طرفين سياسيين وهذا متعارف عليه في العالم، فخرْقُ جميع فقراته بدأ عند تشكيل أول حكومة خلال العهد واستمر مع ثاني حكوماته من دون أن يصدر عن القوات اللبنانية أي ردة فعل، لا بل تنازلت القوات عن حقوقها السياسية البديهية حتى من خارج إطار “تفاهم معراب” تسهيلاً لتشكيل الحكومات ومعالجة تداعيات الفراغ الرئاسي الذي راكم أزمات فوق أزمات، ولسنا هنا في مجال تعداد المهام الوزارية التي أدّاها وزراء القوات بشفافية وكفاءة ونزاهة وإنتاجية وكان لها الأثر الفاعل في تخفيف الأعباء عن المواطنين.

أما في شأن الرؤى الاقتصادية، الطموح السياسي واستراتيجية مواجهة سلاح الحزب، فقد غاب عن بال الكاتب وخلفه المنصة أن القوات اللبنانية عقدت خلال مشاركتها في الحكومة سلسلة ندوات ولقاءات ومؤتمرات تناولت مختلف القطاعات وشاركت فيها شخصيات حزبية وغير حزبية من أصحاب الرأي والاختصاص، وطرحت المشاكل واقترحت الحلول، ونشرها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وليس ذنبنا إن لم تطلع عليها “ميغافون”، فمن خلفها، اطّلع عليها ويبدو أنه لم يزوّد الكاتب والمنصة بتلك الوثائق التي لو تم الأخذ بمضمونها لما وصلت البلاد إلى هذه الحال.

ونشير إلى الطرح الاستباقي الذي عرضه وزير العمل القواتي للجوء إلى صندوق النقد الدولي قبل أن تتفاقم الأزمة وعندها كان بالإمكان تفادي الانهيار بشروط وكلفة أقل بكثير مما نشهده اليوم. فرجاء، مطلوب قليلاً من الإطلاع وكثيراً من الجدية في تناول المسائل التي تثقل كاهل اللبنانيين والتي تتطلب الارتقاء إلى مستوى التضحيات والتحديات المفروضة عليهم، وعدم وضع آلامهم في خدمة أوهام “ميغافون” ومثيلاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى