احتكر الحزب منذ مطلع التسعينات وانتهاء الحرب الأهلية العمل المقاوم في جنوب لبنان، لتتوقف كل العمليات العسكرية التي كانت الأحزاب الأخرى تقوم بها ومن بينها الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي كان سبّاقاً في مواجهة إسرائيل منفّذاً عمليات استشهادية طبعت مرحلة الثمانينات مع سناء محيدلي ووجدي الصايغ وابتسام حرب ومالك وهبي وسواهم.
دخل “القومي” طوال العقود الثلاثة الماضية في لعبة الحكم في لبنان، مستعيضاً عن العمل المقاوم، فكانت له كتلته النيابية الدائمة وموقعه الوزاري المحجوز من قبل حلفائه، ولو على حساب التمثيل الطائفي. وكان لرئيسه أسعد حردان مقعده النيابي الدائم، بعدما ضمن له الرئيس نبيه بري مكاناً في دائرة حاصبيا – مرجعيون على لائحته، حتى خروجه من الندوة البرلمانية في انتخابات 2022 لصالح نائب التغيير الياس جرادي، وخسارة “القومي” للتمثيل النيابي في كل الأقضية اللبنانية.
لكن “القومي”، وفي خطوة لافتة هي الأولى منذ انتهاء الحرب، أعلن بشكل رسمي عن إعادة تواجده العسكري في جنوب لبنان، ناشراً صوراً لجولة قام بها رئيسه ربيع بنات في أحد المواقع العسكرية التابعة لما يسمّى “نسور الزوبعة” في الجنوب.
“القومي” بخطوته هذه يكون الفصيل اللبناني الوحيد الذي يتواجد عسكرياً في الجنوب غير الحزب، ولكن لماذا الآن؟
يوضح نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ربيع زين الدين أن “الخطوة جاءت نتيجة عودة الحزب الى مساره ودوره الصحيح، إضافة الى عملية الإصلاح داخل العمل الحزبي والإداري لإعادة دوره داخل المجتمع كما في العمل المقاوم”، مؤكداً أن “هذه اللحظة ليست ظرفية إنما هي قرار استراتيجي بالعودة الى العمل المقاوم في وجه العدو”.
ولكن مَن منع “القومي” من العمل المقاوم في السابق كي يعود اليوم؟ يجيب زين الدين في حديث لموقع mtv: “لم يكن هناك منع للعمل المقاوم، لكن الخيارات السياسية التي اتبعت في السابق لم تكن ضمن هذا السياق، إنما اليوم وبعد التغيير الذي حصل عاد الحزب الى مساره الطبيعي”.
هل يتحمّل النائب السابق حردان المسؤولية عن هذا الابتعاد عن أرض المعركة إذاً؟ يقول زين الدين: “ما حصل ليس إشارة الى حردان إنما الهدف الأساسي هو إعادة الحزب الى دوره الصحيح، ما تُرجم من خلال قرار مؤسساتي داخل الحزب بغض النظر عن دور حردان إذا كان أوقف العمل المقاوم أم لا، فقرارنا اليوم ليس ردة فعل على الفترة السابقة بقدر ما هو إعادة الحزب الى مساره الصحيح”.
إلا أن أسئلة كثيرة ترافق عودة “القومي” العسكرية هذه الى الجنوب والمنسّقة مع الحزب طبعاً، والمستفيد بطبيعة الحال من هذه الخطوة إعلامياً على الأقلّ، خصوصاً وأن هذا الحضور المستجد جاء منفصلاً عن سرايا المقاومة وجاء بتوقيع “القومي” مباشرة.
وفي هذا السياق، شدد زين الدين على ان “الحزب قوة مقاومة كبيرة واستراتيجية موجودة على الأرض وأي عمل مقاوم يجب أن يكون بالتنسيق معه بكل الأعمال التي تقام كي يكون هناك أمر عمليات تنسيقي في حال حصل عدوان على البلد”، مضيفاً: “هناك قرار حزبي والحزب يتحمل مسؤولياته بهذا العمل، وللحزب تاريخ طويل ومجيد في العمل المقاوم، ونحن في هذه الفترة نعيد هذا الدور إيماناً به، ومستعدون لكل التضحيات والقرار اتخذناه ونتحمّل مسؤولياته”.
ورداً على سؤال حول طبيعة التنسيق مع الجيش والقوى الأمنية، أكد “أننا نعمل تحت مظلّة “جيش شعب مقاومة”، ونحترم كل الأطر ونراعي كل القوانين مع القوى الأمنية، والمواقع العسكرية هي في المكان الصحيح”، مطمئناً الى أن “العمل العسكري هو في الجنوب فقط”، موضحاً أن العروض العسكرية التي سبق وقام بها الحزب في بيروت كانت “تندرج في إطار العمل المقاوم وتحضير الجهوزية التي أعلنا عنها منذ يومين”.
وفيما كان لافتاً في بيان “القومي” أن هذه المواقع تنتشر على مسافة صفر من فلسطين، مع ما تعنيه من أن هذا التواجد هو جنوب خط الليطاني، اعتبر زين الدين أن “هذا الأمر تفرضه المعركة وفق ظروفها ونجهّز لأي تطوّر”.
فأي دورٍ سيوكَل لـ”القومي” في الجنوب؟ وماذا يريد الحزب من خلق هذه المساحة لآخرين سواه في عمق جبهته من قوى لبنانية وغير لبنانية؟