يا رب… يا رب… يا يسوع ويا عذراء ويا محمد… الله وأكبر ولتكن مشيئتك… هي من المرات القليلة، لا بل النادرة، التي ننظر فيها جميعاً الى السماء ونصرخ بصوتٍ واحد: يا ربّ. هو الفزع الكبير. هو الهلع الذي نعيش ومما نعيش. فما تُسطره أيامنا أقوى بكثير من كل ما تحملناه ومن قدرتنا على الإحتمال. «لا تخافوا… تشجعوا… أنا هو… آمنوا فقط… سلامي أعطيكم فلا تضطرب قلوبكم ولا ترتعب». و»ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون». لكننا يا يسوع ويا محمد خائفون وخائفون جداً. فكيف نسمع كلامكما ونطمئن؟
حتى الملحدون يطلبون اليوم رحمة السماء. فالكلام شيء وساعة الهلع من البلاء شيء آخر تماماً. وما يلفت، في اللحظات الأكثر هلعاً في الحياة، مثل لحظاتنا هذه، أن هناك من يستثمر فيها، عن قصد أو من دون قصد، قائلا: إنها من علامات الساعة. هناك من يعجبه رؤية الذعر في العيون. يحدث ذلك، في حين أن الناس، طيبي القلوب وغير الطيبين أيضاً، ينتظرون على نار كلمة تبلسم خوفهم من حكم الطبيعة.
ليس البلد وحده «ما تهزو واقف ع شوار»، أعصاب الناس أيضا فكيف إذا كان الإهتزاز المستجد أقوى من البشر وقدرة البشر. فهل هذا هو السبب في كل ما سمعناه عن تدخل الإله الغاضب؟ هل يغضب الربّ على شعبه؟ هل هكذا يحثهم على التوبة؟ هل هكذا يعاقبهم؟ وابل من الأسئلة تجتاح البلاد والعباد. الناس باتوا يخافون من «طبشة» الباب. هم هرولوا نزولاً الى الطرقات عند حصول الإهتزاز. تركوا كل شيء، كل كل شيء، وخرجوا الى العراء. لا شيء يهم الحيّ أكثر من البقاء. الناس، كل ناسنا، رددوا: إبعد عنا هذه الكأس. كلهم شعروا أن بين الحياة والموت ثواني. كلهم راحوا ينظرون في عيون الأحباء بصمت. والصمت في مثل هكذا لحظات بوح.
الهلع واحد
مسلمون ومسيحيون جمعهم الهمّ الواحد، والعنوان الواحد، والهلع الواحد. فهل يمكن لكاهن وشيخ أن يطمئنانهم؟ دائما، في اللحظات القاسية، ننظر الى السماء ونسترجع آيات من القرآن والإنجيل. كل صفحات التواصل الإجتماعي أصبحت مليئة بآيات من الكتب المقدسة. عتبات البيوت أصبحت هي أيضاً تحت حمى صليب وهلال. فماذا يقول المفتي أحمد طالب؟ يجيب «الإنسان في مثل هذه اللحظات يتمسك بالله ويلجأ إليه ليعينه على دفع البلاء الأعظم عنه. الله هو ملجأ الإنسان حين يرى نفسه عاجزاً، فلا يعود أمامه إلا الصلاة واللجوء الى الله في لحظات الشدّة. ويستطرد: الإيمان بالله ضروري لأنه يمنح الإنسان التوازن المطلوب في المواجهات الصعبة. والله مطلوب أن يكون حاضراً أيضا في لحظات الرخاء لا في اللحظات الصعبة فقط.
ماذا يقول رئيس دير القديس باسيليوس الكبير في الأشرفية الأب نقولا رياشي عن هذا الكمّ من الذعر الذي يعيشه الناس؟ هل صحيح أن يسوع يغضب ويعاقب؟ يجيب «الله هو أب رحوم لا يُقاصص الإنسان حتى ولو غضب على الإنسان الذي يخالف وصاياه. أما الخوف فهو من الشيطان. فلا نسمح للشيطان أن ينتصر. فلنسلم إرادتنا الى الله ونبني معه علاقة وثيقة». ويستطرد: «إني أرى الزلازل والطوفانات والكوارث بشكلٍ جد بسيط، فمثلما أن الإنسان ليس كاملاً فهكذا هي الطبقة الأرضية ليست كاملة. الله هو إله المحبة والجمال وخلق كل شيء جميلاً ولا يمكن أن يقوم بزلزال وإلا لكان إزدواجياً. هو خلق الإنسان على صورته ومثاله».
نعود لنكرر عليه السؤال: لكن الإنسان في لبنان – كما في مناطق أخرى كثيرة – يشعر الآن بفزعٍ شديد لا يوصف؟ يجيب «الإنسان بطبيعته البشرية الضعيفة يخاف عند حدوث الكوارث. هذا طبيعي. لكن، حين يتغذى من الله ويسلّم نفسه له ينجح في التغلب على الخوف، على الشيطان. فالله يدبّر الأمور. نحن نصلي الأبانا: فلتكن مشيئتك… فلتكن مشيئته. ها نحن اليوم في زمن الصوم فلنصلّ ونصوم».
ماذا عن الكلام عن دنو الساعة ونهاية العالم؟ يجيب رياشي: قال يسوع «لا تسقط شعرة من رؤوسكم إلا بإذن مني». لا أحد، لا أحد أبداً، يعرف نهايات الأوقات والأزمنة، فلتكن مصابيحنا مشتعلة. ولنبتعد عن التفكير بالنهاية لأن الأجوبة ليست لدينا بل فلنفكر دائما كيف نكون مستعدين للقاء الرب. قال يسوع: «السماء والأرض تزولان ولكنّ كلامي لا يزول». وبالتالي ليس أمامنا إلا خيار من إثنين: إما أن نفكر بالنهاية والموت أو بخيار الحياة والإستعداد للحياة الأبدية. فلنتذكر دائماً أن الكنيسة هي مستشفى والقربانة دواء. يسوع هو الدواء دائماً، القادر على أن ينجينا من ضعفنا ومرضنا».
الهزّات ضرورية
المفتي أحمد طالب يقول بدوره «إن كل الكلام الذي نسمعه عن علامات الساعة غير حقيقي. وما نراه ليس من صنع الله بل من صنع البشر الذين يتمردون على الطبيعة وقدراتها. ويستطرد: الهزات الأرضية ضرورية لتعزيز القابلية للحياة والمياه الجوفية والنبات، مثلها مثل المد والجزر. الله أوجد الأرض لخدمة الإنسان فأتى من خربها».
الله لا ينتقم بإحداث زلزال. الله محبة. وإذا كانت هناك عذابات إلهية، فهي بحسب المفتي، مؤجلة «فالله لا يقاصص الناس جماعات ولا يعاقب الأطفال. وبالتالي، عكس كل ما يشاع هنا وهناك، ليست الزلازل التي ترعبنا اليوم من عذابات الله».
فلنصلّ ولنصم ولنصبر ولنخفف من الهلع ولنثق بالله ولنكثر من الترانيم. فلنرنم: ربي أنت طريقي في معاقل الحياة، ربي أنت رفيقي عند ساعة الممات». ولنتابع: «لا زلازل ولا براكين رح تنزع منا سلامنا أو تزرع فينا خوف وأنين». فلنصلِ جميعاً كثيراً. فنحن بحاجة كثيراً الى أن نرتاح.
سمير زعاطيطي: لا تقلقوا
ماذا يقول العلم؟ هل لدى علماء الجيولوجيا – الذين أتعبونا بمعظمهم – ما يُطمئن؟ يجيب الباحث في علم الجيولوجيا سمير زعاطيطي بلغة وأسلوب فيهما كثير مما يُهدّئ من روع الخائفين، وبالتفاصيل، ويعيد ويكرر لنفهم ما جعلنا بعض علماء الجيولوجيا نهلع ونخاف. يقول: «الطبيعة أفرغت طاقتها، لكن الناس في حال من الرعب بسبب ما قاله الباحث الهولندي. من دون أن نعرف هو باحث بماذا. وزير الداخلية لم يطلّ أيضا ليقول ما يُطمئن. وهناك شبه غياب من مرصد بحنس. ويستطرد: رحم الله أيام ألكسندر سرسق (مدير مرصد بحنس سابقاً) الذي بحثت عنه هذه الأيام كثيراً. ولا أعرف أراضيه. والله يسامح عطا الياس (الخبير الجيولوجي) وهو تلميذي في الجامعة اللبنانية، في كلية العلوم، فقد قدّم أطروحة لكنه أثار كثيراً من الهلع لدى الناس. هو قال إذا حدث زلزال فسينتهي لبنان. ما هذا الكلام؟».
ماذا عن حالِنا الآن بتحليله ودراساته؟ يجيب «العالم خائف الآن من زلزال يضرب لبنان ومن تسونامي كما ذاك الذي شاهدوه في الفيليبين وأندونيسيا حيث هناك مناطق زلزالية خطيرة جداً. هنا، الأمر مختلف تماماً. ويمكنني أن أطمئن الخائفين من أن يكون حدوث الزلزال حتمياً لدينا بما أنه حصل في تركيا وسوريا المجاورتين، الى أن الفيلم التركي انتهى. هي طاقة كانت موجودة تحت الأرض وخرجت، والحمدلله أنها لم تخرج دفعة واحدة. ويستطرد بالقول: خط الزلازل بطول 1100 كيلومتر في جبال طوروس لكنه خرج في تركيا. الطاقة السائلة المنصهرة تحت الأرض تخرج من بين صفيحتين لذلك لا أحد قادر أن يخمن مكان خروجها. تطور علم الزلازل كثيراً لكن لا يمكننا أن ننزل تحت الأرض، حيث توجد موجات زلزالية تحرق الصخور. لذلك، كل ما علينا فعله هو توعية الناس كما يحصل في اليابان، حيث تعرف المرأة وهي في مطبخها والولد وهو في مدرسته، ماذا عليهما فعله في وقت الزلزال. كما أن الدولة تبني بيوتا تتمتع بالمتانة والمرونة».
لا خوف من صفائح اليمونة
نعود الى اللبّ للسؤال: هل نحن في عين الخطر؟ يجيب زعاطيطي «نحن، لا نخاف من صفائح اليمونة، لأن درجة الزلازل التي تنتج عنها لا تزيد عن ثلاث أو أربع، أما الصفائح الموجودة في البحر عندنا فهي تشبه سيارتين تتجاوزان – تدوبلان- على بعضهما. بمعنى أن هناك إنزلاقاً من إحدى الصفيحتين بنسبة تسعة ميليمتر ما يجعل أي زلزال قد يحدث غير صدامي. وبكلام آخر يجعل الحادث «مش بوز ببوز».
السوائل في باطن الأرض تدور بسرعة وحين «تخبط»- تضرب- بشيء صلب- ولا احد يدري متى وأين- يحصل الزلزال. «هناك 15 بلاطة متحركة، يقول زعاطيطي، وهي على خط طويل طويل في كل العالم. والهزات الإرتدادية التي تحصل على سطح الأرض مصدرها الموجات الزلزالية التي تنتقل وتبتعد عن المرصد الأساسي ويسجلها مرصد ثان وثالث». ماذا نخلص إليه؟ لا تخافوا. زلزال تركيا وسوريا ليس معناه زلزال حتمي في لبنان. لا تخافوا أو على الأقل حاولوا ألّا تخافوا. وإلا تموتون قبل الموت. والحياة تستحق أن تعيشوها. ثقل ما تعانونه كبير؟ تلعنون مقولة: نيال يلي عندو مرقد عنزة في لبنان؟ مصيرنا أننا لبنانيون. إملأوا الكنائس والجوامع صلوات وسترون غداً ما يحصل اليوم وتبتسمون. قولوا الله.