الحملة على اللاجئين السوريين في لبنان مستمرة، وقد وصلت إلى حد طلب وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، هكتور حجّار، تنظيم مؤتمر دولي مخصص لبحث هذا الملف، “يبدأ بقراءة معمقة للأسباب المتعددة لوجود السوريين في لبنان، والانطلاق منها للبحث عن حلول جدية لهم، بهدف عودتهم إلى سوريا أو إعادة توطينهم في دولة ثالثة”.
كلام حجار جاء خلال لقائه مفوض الإتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش، والوفد المرافق له، إذ أوضح أن “لبنان قدم دعماً كبيراً للنازحين منذ أحد عشر عاماً”، معتبراً أن صفة النزوح لا تنطبق على كل السوريين الموجودين في لبنان، إذ أن “قسماً كبيراً منهم يتنقل بين البلدين بحرية ويتلطى خلف صفة النازح للاستفادة المادية”، كما قدّم شرحاً مفصلًا للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية.
من جانبه أعلن لينارتشيتش، في بيان، عن “تقديم الاتحاد الاوروبي 60 مليون يورو كمساعدات إنسانية للفئات الأكثر ضعفا في البلاد، بمن فيهم اللاجئون السوريون واللبنانيون المعوزون”، مشيرا الى أن “الحزمة الإنسانية الجديدة ستوفر مساعدات إنسانية أساسية مثل المساعدات الغذائية، والدعم النقدي، والخدمات التعليمية والصحية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، كما أنها ستساهم في الاستعداد للكوارث وتوفير الاستجابة لحالات الطوارئ”.
ويتم تقديم جميع المساعدات الإنسانية للاتحاد الأوروبي على أساس الاحتياجات، بغض النظر عن الوضعية أو الجنسية، وذلك عن طريق المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ومع هذا التمويل الجديد، يصل تمويل الاتحاد الأوروبي للأغراض الإنسانية للبنان منذ عام 2011 إلى حوالي 860 مليون يورو.
وذكر لينارتشيتش أن في 14-15 يونيو المقبل، سيستضيف الاتحاد الأوروبي مؤتمر بروكسل السابع عن دعم مستقبل سوريا والمنطقة، “وسيكون من الأهمية بمكان ضمان استجابة مجدية في لبنان”.
بين التبرئة والاتهام
أدت الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، إلى انتشار الفقر على نطاق واسع، وانهيار الخدمات العامة، وتزايد التوترات المجتمعية، كما فاقمت أزمة الغذاء والوقود العالمية الحالة المتردية أصلا، بحسب ما أورده مفوض الاتحاد الأوروبي في بيانه، مشيراً إلى انه “في الوقت الراهن، يحتاج حوالي أربعة ملايين شخص، من بينهم 1.5 مليون لاجئ سوري و2.2 مليون لبناني من الفئات الضعيفة، إلى مساعدات إنسانية”.
لكن المساعدات الإنسانية ليست حلاً مستداماً على المدى الطويل، كما قال لينارتشيتش في مؤتمر صحفي “بل هي مساعدات طارئة للحفاظ على الحياة، فما يحتاجه لبنان إصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحية واتفاق مع المجموعة الدولية خصوصاً مع صندوق النقد الدولي، “وهذا الاتفاق سيفسح المجال أمام المساعدات المالية لتأتي إلى لبنان ومنها المساعدات الأوروبية التي يمكن أن تساعد لبنان على التعافي من الأزمة التي يمرّ فيها”.
كلام المفوض الأوروبي، خلال مؤتمره الصحفي، استدعى رداً من حجار عبر سلسلة تغريدات، جاء فيها “سيدي الكريم لينارتشيتش لقد ذكرت خلال مؤتمرك الصحفي في بيروت أن الأزمة الحالية في لبنان من الناحية المالية والتضخّم ليست بسبب النازحين السوريين. طبعاً، النزوح السوري لا يتحمّل وحده مسؤولية ما وصلنا اليه اليوم في لبنان، ولكن يتحمّل جزءاً لا بأس به”.
وشرح حجار “استفاد النازحون السوريون على مدى سنوات من المواد الغذائية المدعومة من خزينة الدولة اللبنانية التي تغذّيها ضرائب اللبنانيين، بالإضافة إلى الاستفادة من الدعم على الدواء الكهرباء والمحروقات، كما تحمّل لبنان أعباء كبيرة على الصعيد البيئي مع ارتفاع كلفة رفع النفايات التي ازدادت بشكل كبير، ناهيك عن الضغط على شبكات الصرف الصحي. ولا يمكن أن ننسى كلفة الحفاظ على الأمن وضبط الحدود البريّة والبحريّة في محاولة لمنع التسلّل إلى لبنان والهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى أوروبا”.
لجميع الأسباب التي ذكرها وزير الشؤون الاجتماعي، كرر في تغريدة دعوته إلى عقد مؤتمر دولي بمشاركة كل الأطراف المعنيين “بهدف تحديد النازحين السوريين الحقيقين، وتمييزهم عن “المقيمين” لأسباب اقتصادية أو لأسبابٍ أخرى وتحديد أعدادهم والعمل على خطّة متكاملة لإعادتهم إلى بلدهم أو إعادة توطينهم في بلدٍ ثالث”.
ذرائع.. مرفوضة
يدعم وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، طلب الوزير حجار عقد مؤتمر دولي بشأن قضية اللاجئين، لاسيما وأنه كما يقول: “الدول المانحة ضغطت على مفوضية شؤون اللاجئين والطرفان ضغطا على رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي لإيقاف خطة العودة بعد أن أنجزنا الملفين السياسي واللوجستي، فالدولة السورية حاضرة لاستعادة أعداد وافرة، أما فيما يتعلق بالنازحين السياسيين، نريد تفعيل ترحيلهم إلى دولة ثالثة وذلك بناء على طلبهم”.
ويجزم شرف الدين، في حديث لموقع “الحرة”، على أنه “لو كان هناك قرار سياسي لبناني لإعادة النازحين لأقدمنا على ذلك سواء وافقت الأمم المتحدة ام لم توافق، فلبنان مغطى قانوناً كونه لم يوّقع على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين”.
من جانبه يؤكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديث مع موقع “الحرة” على أن “مفوضية اللاجئين ضغطت على رئيس الحكومة اللبنانية لإيقاف قوافل العودة، ليس فقط من باب إنساني، بل من أجل عدم إعطاء ورقة لروسيا والنظام السوري والحزب، الذين يصورون عودة السوريين على أنها انتصار سياسي”.
وخلال زيارته الى بروكسل الشهر الماضي، تبلّغ الوفد النيابي اللبناني ان نوّاباً في البرلمان الأوروبي سيتقدّمون بمشروع قرار يتعلّق بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، حيث كشف أحد أعضاء الوفد، النائب الياس اسطفان، ان “ملف النزوح السوري كان من أهمّ الملفات التي بحثناها خلال اجتماعاتنا مع جميع المسؤولين”.
وأعلن اسطفان في حديث إذاعي، “قدّمنا لهم تفاصيل جديدة، قد تُحفّزهم على تقديم مشروع القرار خلال الجلسة التي ستعقَد في نيسان”، مضيفاً “النتيجة ليست مضمونة، لكن أعتقد أنّ الأمور ذاهبة في الاتجاه الصحيح”.
ويشدد عبد الرحمن على ان “الوضع في سوريا غير آمن لعودة أي لاجئ، ولا يحق للحكومة اللبنانية التذرع بالأوضاع الاقتصادية أو الداخلية اللبنانية، فالجانب الإنساني لا علاقة له بذلك”. وعن البحث عن دولة ثالثة لترحيل اللاجئين، علّق “إذا كان هناك دول تستقطب لاجئين استناداً إلى سياسة إعادة التوطين فبأعداد قليلة لا تتجاوز مئات العوائل، من دون ان تكون قادرة على استيعاب كل اللاجئين”.
مخاوف وتطمينات
وتحت عنوان “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، عقد رئيس حزب “الوطنيين الاحرار” النائب كميل شمعون، مؤتمراً صحفيا أمس الاثنين، طرح خلاله مشكلة “النزوح” السوري وتأثيره على الواقع اللبناني. شمعون اعتبر انه “حان الوقت أن نطالب بحقوق المواطنين اللبنانيين ونحن كنا أول من استقبلهم في بلادنا لحين انتهاء الحرب. آخر المعلومات تفيد أن العدد أصبح أكثر من 2.400000 نازح، خصوصاً بعد الزلزال المدمر والنسبة الاكبر موجودة في سهل البقاع”.
ويشكل وجود السوريين في لبنان، بحسب شمعون “خطرا على الديموغرافية اللبنانية وهو أمر مرفوض من جميع اللبنانيين، إضافة إلى اقتصاد لبنان المفلس، بحيث لم يعد بإمكاننا تمويل الحد الأدنى لحاجات المواطن اللبناني الأساسية من كهرباء، مياه، صحة وغذاء ومدارس”، لافتاً إلى أن “المجتمع الدولي يمنح كل هذه الأمور للنازحين السوريين”.
كما أشار إلى أننا “نرى من بعض النازحين الجرائم والسرقات وعمليات الخطف والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، والمشكلة الكبيرة والأخطر هي الولادات الكثيرة (6 اطفال سوريين مقابل كل طفل لبناني) وغير المسجلة، هي قنبلة موقوتة في وجه لبنان واللبنانيين. وأخذ فرص العمل من أمام اللبنانيين، المدارس الرسمية مقفلة في وجه اللبنانيين ومفتوحة للنازحين، إضافة إلى التلوث البيئي الحاصل من جراء عدم التنظيم”.
واليوم الثلاثاء أصدرت بلدية دير الزهراني في جنوب لبنان، قراراً منعت من خلاله السوريين من استعمال الدراجات النارية بعد الإفطار حتى الصباح، مطالبة بإزالة “الاشكمانات” التي تصدر أصواتاً مزعجة، كما منعت ركوب الدراجة النارية لأكثر من شخصين.
وتكثفت في الآونة الأخيرة الاجتماعات المتعلقة بملف اللاجئين، وامس الاثنين اجتمع حجار مع المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في عمران ريزا، وممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان إيفو فرايجسن ومدير برنامج الأغذية العالمي في لبنان عبد الله الوردات، للبحث في موضوع زيادة المساعدات النقدية المخصصة للاجئين السوريين في لبنان، إذ شدد الوزير اللبناني على “عدم الموافقة على أي طرح لا ينطلق من مبدأ العدل والمساواة بين اللبنانيين والنازحين السوريين الموجودين على أرضه وبضيافته”.
وقبل أيام ترأس محافظ بعلبك الهرمل، بشير خضر، اجتماعاً أمنياً فرعياً في مركز بلدية عرسال، وذلك “بعد شكوى وطلب من مخاتير وفاعليات عرسال لوقف مزاحمة اليد العاملة السورية للعمال اللبنانيين في البلدة التي تضم 147 مخيما للنزوح السوري، عدا الشقق المستأجرة والمحلات التجارية”، مؤكدا “العمل على فرض القانون والامن وسلطة الدولة على هذه الأراضي وهي جزء من الأراضي اللبنانية”.
وخلال الاجتماع، طالب خضر بتفعيل مسألة الأمن الاستباقي بملف اللاجئين، مشيراً إلى أنه تبلغ “من الأجهزة الأمنية في عرسال بأن ما بين 20 و30 عائلة سورية يتم ضبطها يومياً تحاول الدخول خلسة الى الأراضي اللبنانية في محيط البلدة،” موضحا أن “الامن العام لا يستطيع ترحيل اي نازح من تلقاء ذاته، فهناك قضاء وقانون وتعاون بين الأجهزة الأمنية وهناك صلاحيات حتى نحمل كل طرف مسؤولياته”.
لكن، كما يقول عبد الرحمن “غالبية اللاجئين السوريين في لبنان من حاضنة شعبية معارضة للنظام، لاسيما من المناطق الحدودية في الداخل السوري التي هي بصورة أو بأخرى تحت سيطرة الحزب أو ميليشياته أو الفرقة الرابعة، وبالتالي إعادتهم إلى سوريا تشكل خطراً على حياتهم، إذ يمكن لتقارير كيدية أن تودي بهم إلى السجن والتغييب والقتل، إضافة إلى أنه لا يمكن معرفة اللاجئ المؤيد للنظام من عدمه، اما الذي يدخل إلى سوريا ويعود إلى لبنان فهذا تسقط عنه صفة اللجوء”.
وتتطلب عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، كما يشدد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان “حلاً سياسياً”، وإلى حينه “لا خوف من تغيير ديموغرافي في لبنان، كون وضع السوريين فيه ليس كوضع اللاجئين الفلسطينيين، أي استيطان من دون عودة، أما فيما يتعلق بالمخاوف من بعض الممارسات الخارجة عن القانون، فإن اللاجئين السوريين كما بقية الناس منهم المثقف والجاهل”، وختم: “السوريون يبحثون عن ملاذ آمن وفي النهاية لن يبقى الوضع في بلدهم على ما هو عليه”.