اللبنانيون عشية الانتخابات المصيرية في 15 أيار 2022: بين الخلافات السياسية… والصراعات العقائدية!
دُعي اللبنانيون إلى انتخاب مجلس نيابي جديد في الخامس عشر من أيار القادم 2022. على أن تسبقه بنحو أسبوع انتخابات المنتشرين اللبنانيين في العالم لممثليهم في المجلس بما يشمل كافة الدوائر الانتخابية أي الى 128 نائباً. ولئن شهدت حياة لبنان السياسية في الماضي صراعاً محموماً على السلطة وذلك للفوز واستلام زمام القيادة في البلاد، فإن المعركة الحالية تعدّ من مختلف الوجوه، إحدى أهمّ وأخطر المعارك التي تخوضها القوى السياسية في لبنان بفعل مكوناتها (السياسو- عسكرية) واستهدفاتها (الجيو- سياسية) ونتائجها (المصيرية). ولعلّ أهم وأفضل مقاربة لمسار هذه الانتخابات هو القدرة على التفريق فيها ولدى المعنيّين بها؛ بين الخلاف السياسي… والصراع العقائدي. ان هذا التفريق، حتى وإن لم يكن كافياً لجلاء كل الاختلافات بين القوى الأساسية المتواجهة، فإنه يرسم بدقة ووضوح القاعدة والأسس التي تقوم عليها المواجهة بين الجانبين، ويحدّد بالتالي نقاط القوّة والضعف لدى الجانبين انطلاقاً من الخيارات الخاطئة والمتناقضة والتي يسعى بها البعض لاستخدام الصراع العقائدي كسلاح «مسموح به» في الخلاف السياسي!
كيف ذلك؟
1 – يمكن اعتبار لبنان نموذجاً للخلافات السياسية بأبعادها الداخلية والاقليمية والدولية، وهذه الخلافات النابعة من عدم التوافق على أمور الحياة العاديّة وطرق التفكير والعيش بما يشمل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومعنى وطريقة العلاقة بالآخر، وأهميّة وضرورة العلاقة بدول الجوار الجغرافي. وكذلك العلاقة بالأسرة الدولية. كل ذلك على ضوء اعتبار المصلحة الوطنية اللبنانية كما ترد في أذهان وممارسات المسؤولين والمواطنين اللبنانيين. والقاعدة في ذلك ان الخلافات تمثّل تعارضاً في وجهات النظر حول أمور الحياة ومستلزماتها من دون ان ترقى إلى المواجهة حول القيم والمبادئ العامة التي تحكم حياة الجماعة لأنّها إذاك تخرج من كونها اختلافات سياسية لتضحي صراعات عقائدية.
2 – ان تاريخ لبنان حافل بالخلافات بين الجماعات التي تشكّل نسيج الشعب اللبناني ولا سيما الطوائف. وازدادت حدّة هذه الخلافات عندما تحوّلت الطوائف قاعدة لقيام الأحزاب ذات الخلفية الطائفية. والطائفية في التعريف هي: «جماعة منظمة من الناس يمارسون معتقداً دينياً بوسائل وطرق وفنون معيّنة. إنّها اذن تجمّع ديني في الأصل والممارسة والغاية» (ناصيف نصار). وبما ان لبنان يحتوي على أكثر تجمّع طائفي في المنطقة (18 طائفة) كان المجال مفتوحاً أكثر لنشوء خلافات سياسية بين الطوائف على مستوى التمثيل أو السلطة أو الممارسة. وكان الدعم الخارجي لإحدى الطوائف يجعلها أكثر خطورةً ونفوذاً وفعاليّة: من المارونية الى السنيّة الى الشيعية.
وفي كل مرّة كان العقلاء يدعون إلى ضرورة التمسّك بالميثاق الوطني كقاعدة لا بد منها، ولا غنى عنها، لتحقيق الأمن والسلام ومبدأ العدالة بين أطراف التركيبة اللبنانية.
3 – إن الخروج من الطائفية لا يتم إلاّ عبر قيام أحزاب غير طائفية باعتبار الحزب «جماعة منظمة من الناس يسعون إلى تحقيق أهداف سياسية اجتماعية معيّنة. إنه إذن تجمع سياسي في طبيعته ووظيفته» (ناصيف نصار). خلاصة هذا التعريف ان الخروج من واقع الخلافات الطوائفيّة إلى واقع الصراعات العقائدية، لا يتم إلا بقيام فكر عقائدي:
«والعقيدة هي نظام فكري يقوم على الإيمان بحقيقة أساسية معيّنة. وليس الايمان تصديقاً أعمى، وإنّما هو موقف تقبّل وتصديق تجاه حقيقة معيّنة تتخذه الذات بقدرتها المتعالية على الواقع المحسوس، رغم افتقارها إلى براهين قاطعة منتجة لليقين الموضوعي».
«وأمّا الإيديولوجية فهي عقيدة، إلاّ انها تدور حول حقيقة اجتماعية معيّنة حاصلة في الواقع الراهن أو مطلوب حصولها في المستقبل. ويكتمل تكوين الإيديولوجية اجتماعياً عندما تتبنّاها جماعة تاريخية معيّنة» (ناصيف نصار)
4 – هذان التعريفان يبرزان الوجه الآخر من المواجهة وهو الصراع العقائدي. ذلك ان المواجهة بين القوى صار مواجهة بين قيم ومبادئ فكرية فلسفية بين جهتين ولم تعد مجرّد خلاف على أمور عادية. ولعلّ أخطر وأهم ما يقوم حوله الصراع هو طبيعة الدولة والوطن وتصنيف المواطنين. من هنا يتركّز الصراع حول حقيقة الدولة: في طبيعتها وهويتها ومجالها في ما يعرف بالصراع القومي ومدى انطباقه على احتمالات تتعلّق «بايمان» الجهة المؤمنة بها مثال ذلك:
الوطن اللبناني- الشعب اللبناني – الأمّة اللبنانية – القومية اللبنانية…
الوطن السوري – الشعب السوري – الأمّة السورية – القومية السورية
الوطن العربي – الشعب العربي – الأمّة العربية – القومية العربية
الوطن الإسلامي – الشعب المسلم – الأمّة الإسلامية – أمة المتغلب
الوطن الفارسي – الشعب الفارسي – الأمّة الفارسية – أمة الولي الفقيه
الوطن اليهودي – الشعب اليهودي – الأمّة اليهودية – الأمّة الصهيونية
5 – يتبين من الجدول السابق، بشكل صريح وواضح وحاسم، أن هناك فاصلاً وجودياً فكرياً وفعلياً، بين المواطنين على ضوء انتمائهم لهذه الهوية أو تلك. وفي مثل هذا التناقض، يستحيل مبدئياً قيام تحالف بين جهتين تتناقضان وجودياً وفكرياً وبالتالي يكون التحالف بينهما في الانتخابات صفقة تقدّم المصالح السياسية على المصالح الوجوديّة. انها نقض لمنظومة القيم والمبادئ الايديولوجيّة التي تجسّد الوجود الوطني اللبناني في الجغرافيا والتاريخ لقاء ربح هو في ذاته خسارة للشعب والأمّة والدولة اللبنانيّة، إنها باختصار صفقة بيع للوطن في سوق النخاسة السياسية!
هذه هي بإختصار، العظة بل الأمثولة التي علينا جميعاً، كلبنانيّين الأخذ بها والاتّعاظ منها، فلا نقع في الفخ الذي يُنصب لنا عشيّة الانتخابات النيابية فنستعين بالقوى التي ترفض وتنقض وجودنا التاريخي والجغرافي والعقائدي:
نحن دولة لا جزءاً من دولة أخرى
ونحن أمة ولسنا جزءاً من أمة أخرى
ونحن دولة – رمز في تاريخ المشرق العربي.
فلندافع عن لبنان الوطن – الرمز- الرسالة!
ولنُحسنْ الاختيار.