الموت لإسرائيل… فهل نعيش؟
ينظر كثيرون من أبناء الطائفة الشيعيّة الذين يناصرون الحزب الى المسيحيّين كجماعةٍ ضعيفةٍ عاجزةٍ عن خوض حربٍ أو حتى الدخول في إشكالٍ على أفضليّة مرور. اختار بعضهم المقارنة بين جماعةٍ تواجه العدوّ وتدفع أثماناً غالية، وأخرى يرعبها جدار الصوت.
ليس المسيحيّين وحدهم من أرعبهم جدار الصوت أمس. وليسوا وحدهم من يرفضون هذه الحرب العقيمة. وليس أبناء الجنوب وحدهم من يدفعون الأثمان. حتى الطفل الذي عاد الى لبنان من غربته ليعانقه جدّاه، ثمّ اضطرّ إلى السفر على عجل و”البهدلة” في المطار دفع ثمناً أيضاً.
بكلّ بساطة، نعتبر إسرائيل عدوّاً، وهي اغتصبت أرضاً ليست لها، واعتدت على لبنان وقتلت لبنانيّين ودفعنا بسببها ثمن وجود فلسطينيّين على أرضنا. لا بل نؤمن بحقّ لبنان بمقاومة هذا الاحتلال. ولكن، لسنا على استعدادٍ لخوض حربٍ أو تنظيم مقاومةٍ بالوكالة عن إيران التي لا يسمع أبناؤها جدار الصوت، ولا ينزحون من منطقةٍ الى أخرى، أو يهاجرون، أو تُقفل مؤسّساتهم…
ربما ننضمّ اليكم بمقاطعة مؤسّسات تجاريّة، لو كان الأمر ينفع بدل الضرر اللاحق بموظّفين لبنانيّين. وربما نهتف معكم الموت لإسرائيل، لو أنّ الهتاف يساعدنا على أن نعيش بأمانٍ واستقرارٍ ويُنتخَب لنا رئيسٌ “متل الخلق”. وربما جلسنا في واحدٍ من الاحتفالات، نصغي الى “السيّد” ونهتف “بالدمّ بالروح” ونضرب على صدرنا متوعّدين بتدمير أميركا والقضاء على إسرائيل وتحرير القدس واستعادة الجولان والانتصار لليمن والدفاع عن العراق، والوقوف الى جانب نظام كاسترو في وجه الإمبرياليّة العالميّة المتمثّلة بالولايات المتحدة الأميركيّة، لولا أنّ هذا الأمر يلهينا عن تدبير أمر الكهرباء والمياه في منازلنا التي لم يصمد زجاج بعضها في مواجهة جدار الصوت أمس. بلدنا “ما بيحمل” يا سيّد، لا بشراً ولا زجاجاً.
مشكلتنا مع الحزب، قبل أن تكون في سلاحه أو في ولائه لإيران أو في “ثقافته” الغريبة عن مجتمعنا، أنّنا نفكّر. لا نريد أن نحارب إسرائيل من أجل “حماس” التي تسبّبت بقتل عشرات آلاف الفلسطينيّين. ولا نرغب بتحمّل حربٍ قرّرها حرسٌ ثوريّ في طهران. نريد أن نعيش بسلامٍ، مع جمهور الحزب أيضاً، وهو يعاني في مناطقه من حرمانٍ إنمائيّ كما من فوضى السلاح التي تحوّل إشكالاً بسيطاً بين جارَين الى مجزرة. ألا يسأل ابن الضاحية، مثلاً، لماذا منطقته أقلّ تنظيماً ونظافةً وأكثر فوضى وحرماناً من مناطق أخرى؟
نريد أن نصنع دولةً، وأن نهتمّ قليلاً بشؤون وطننا، بدل تحويله الى ساحة. هلّا تسمح لنا بذلك يا سيّد…