كما العادة، قبل الانتخابات، ترتفع أصوات التجييش والتهريج والتهييج. تُسمّى، بلغة الانتخابات، شدّ العصب. يُحمَّس الناخبون وتُرفع شعارات كبرى، ونشعر، لوهلةٍ، أنّنا نخوض معركة وجود، وأنّ صباح السادس عشر من أيّار سنستيقظ إمّا والقذائف فوق رؤوسنا أو سنكون في نعيمٍ وبحبوحة.
من الضروري التذكير بأنّنا سننتخب في 15 أيّار، وقبله في الاغتراب، نوّاباً مهمّتهم الأساسيّة هي التشريع، وبعدها المحاسبة والمراقبة. في بلدٍ مثل لبنان، تكون فيه الحكومة نسخةً مصغّرة عن المجلس النيابي، تبدو المحاسبة والمراقبة معطّلتين. يبقى التشريع، وسنكون بأمسّ الحاجة إليه في المرحلة المقبلة.
ونسأل هنا: هل يجوز أن ينتخب الناس نائباً لم يقدّم مساهمةً تشريعيّة واحدة، واكتفى بالتوقيع، في أحسن الأحوال، على اقتراحاتٍ تقدّم بها زملاء له؟
وهل سيستعلم الناس عن عدد المرات التي شارك فيها النائب المرشّح في جلساتٍ تشريعيّة، أو في جلسات لجان، قبل أن يمنحوه صوتهم؟
للأسف، إنّ ما نراه هو توجّه الناخبين الحزبيّين للتصويت لمن يشتم أكثر ويصرخ أكثر ويهرّج ويهيّج الجمهور الحزبي الغبيّ، عبر معارك وهميّة، بينما المعركة الحقيقيّة هي لبناء الدولة وتحسين واقع الناس.
إنّ الانتخابات الحاليّة والمزاج الشعبي فيها دليل ساطع على أنّ المسؤول الأول عمّا بلغناه هو الشعب اللبناني نفسه الذي تحرّكه الغرائز والعصبيّات، أكثر ممّا يصغي الى أصوات العقل والمنطق.
هو لا يريد إنجازات، بل انتصارات وهميّة عبر مرشّح “يبخع” مرشّحاً آخر، ومرشّح “يلحس قفا” رئيس حزبه فيقدّم له الأصوات على طبقٍ من فضّة، من دون جهدٍ تشريعي ولا كفاءة نيابيّة.
لا نريد أن نعتمد لغةً باتت “كليشيه” في هذه المرحلة. ولكن، إن لم يستفق اللبنانيّون ليختاروا الأفضل في الفريق الذي يناصروه، فعبثاً نبحث عن حلول.
من يريد أن ينتخب حزبيّاً، فلينتخب الأفضل في حزبه. ومن يفضّل مستقلّاً، فليبحث عن أفضل عقلٍ لا عن أعلى صوت.
ولا تكونوا، والكلمة هنا للمحازبين تحديداً، غنماً في الانتخابات. لا تكونوا غنماً…