انسوا اللحوم والفاكهة: الأسعار الرهيبة تحرم اللبنانيين الخضر والحبوب
تنحدر القدرة الشرائية لدى اللبنانيين بطريقة مخيفة جدًا
بعدما استغنى معظم اللبنانيين عن شراء اللحوم بسبب ارتفاع أسعارها، يتجهون اليوم إلى مقاطعة الخضر، لتعكس هذه الخطوة الأخيرة عمق الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد منذ سنوات.
نار الأسعار
فمع بدء العد العكسي لاقتراب شهر رمضان، صدم اللبنانيون بارتفاع أسعار الخضر إلى مستويات قياسية. صحيح أن الأسعار ترتفع عادة مع قدوم الشهر الكريم، لكنها كانت محصورة سابقًا بسلة المنتجات الزراعية المخصصة لـ”طبق الفتوش”، على اعتبار أن الطلب يزيد على مكوناته. لكن المشكلة الأكبر اليوم تتعلق بتحليق أسعار المنتجات الزراعية الأخرى، كاللوبياء، الكوسا، الباذنجان، وهي المكونات الأساسية لإعداد أي طبق على مائدة الغداء، أو الإفطار، لا بل حتى المكونات الأساسية لتناول أي وجبة، بعيدًا عن اللحوم والدجاج. وهذا يطرح سؤالًا أساسيًا: ماذا يأكل اللبناني إذا؟
وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات فكاهية تتناول ارتفاع أسعار الخضر، بعدما حلق سعر اللوبياء إلى أكثر من 130 ألف ليرة للكيلو الواحد، فيما وصل سعر كيلو الكوسا والباذنجان إلى ما يقارب 40 و45 ألفًا. أما البطاطا، والتي تعد العنصر الأساسي على مائدة الفقراء، فقد ناهز سعر الكيلوغرام 18 ألف ليرة، ما يعني أن إعداد وجبة من الخضر فقط، قد تكلف الأسرة ما لايقل عن 190 ألف ليرة. أي ما يناهز 20 في المئة من معدل الرواتب المعمول بها في لبنان. وإن أرادت الأسرة تناول وجبة غذائية مكونة من طبق خضر مع اللحم، فقد يناهز سعر هذا الطبق حاجز 450 الف ليرة.
الصقيع والمازوت
ويعزو رئيس جمعية المزارعين في لبنان أنطوان الحويك ارتفاع أسعار هذه السلع إلى أسباب عدة، في مقدمها موجة الصقيع التي اجتاحت لبنان موخرًا، ويقول: “تسببت موجات البرد بتلف جزء كبير من المزروعات، فأصبح العرض ضئيلًا مقارنة مع الطلب”. وهو يشير إلى أن ارتفاع التكلفة الزراعية، كانت سببًا في عزوف كثرة من المزارعين عن ممارسة نشاطهم، فتقلصت المساحات الزراعية إلى حد كبير.
ويرى رئيس “تجمع مزارعي وفلاحي البقاع” إبراهيم ترشيشي، أن ارتفاع الأسعار يعود بالدرجة الأولى إلى ارتفاع سعر المازوت مقارنة بالعام الماضي. ويقول لـ”المدن”: “زادت التكاليف بشكل عام، خصوصاً سعر مادة المازوت الذي ارتفع بمعدل 25 في المئة في عام واحد، فلم يعد بإمكان المزارع تحمل هذه التكلفة”. ويضيف، أن القرارات الأخيرة المتعلقة برفع رسوم الجمارك، زادت من معاناة المزارع، إذ بدأت أسعار المبيدات الحيوية ترتفع، ويتم تسعيرها بالدولار. وهذا أمر مرهق جدًا للمزارعين.
على الرغم من أن جميع الأسباب قد تبدو ظاهريًا مقنعة، لكنها لا تبرر الارتفاع الذي طال السلع في هذا الوقت تحديدًا. فالسلع التي ترتبط بالـ”مونة” الشتوية، ارتفعت أيضًا أسعارها، على الرغم من أن لا علاقة لها لا بتداعيات الصقيع، ولا بالدولار الجمركي.
تبدل العادات
بعدما أجبرت الأزمة الاقتصادية اللبنانيين على تغيير كثرة من عاداتهم الغذائية، اتجهوا إلى الاستغناء عن اللحوم والفاكهة التي باتت تعد ترفًا، وها هم يستغنون اليوم عن الخضر، حتى أن البقوليات بدأت تختفي عن مائدة اللبنانيين. فماذا يأكلون إذًا؟! فسعر الكيلوغرام من البرغل وصل إلى 80 ألف ليرة، والعدس إلى نحو 45 ألفًا، الحمص إلى نحو 40 ألفًا، أما الفول فوصل إلى ما يقارب 35 ألفًا.
تشكو ليلى خليل من ارتفاع الأسعار، شأنها شأن كثرة من اللبنانيين. يتقاضى زوجها نحو 150 دولارًا تقريبًا، تكاد لا تكفي لشراء الاحتياجات الأساسية. وتقول: “تنحدر القدرة الشرائية لدى اللبنانيين بطريقة سريعة، وهو أمر مخيف جدًا، لأننا فعلًا أصبحنا عاجزين عن شراء أي منتج”. فحتى أسعار الخضر شهدت ارتفاعات غير منطقية. والأصعب أن التجار يربطون الارتفاع بالأزمة الأوكرانية”.
قبل شهر، لم يكن سعر كيلو البرغل يتخطى 60 ألفًا، وسعر العدس 35 ألفًا، وكانت أغلب العائلات تعتمد في نظامها الغذائي على الحبوب. لكن ارتفاع أسعارها بمعدل يصل إلى 20 في المئة خلال فترة بسيطة، قلص الخيارات أمام اللبنانيين. وهذا ما دفع رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو إلى توجيه سؤاله للمعنيين في الدولة بالقول: “ماذا نأكل؟ ولماذا لم تنخفض أسعار السلع، بعدما تراجع سعر الصرف في الفترة الماضية لأكثر من 40 في المئة؟”.
يقول برو لـ”المدن”: “تقلصت جميع الخيارات أمام المواطن، حتى أن الخبز لم يعد سلعة متوفرة على مائدة الفقراء، ما يطرح علامات استفهام حقيقية حول السياسات الحكومية لضبط الأسعار”. ويرفض برو استخدام معادلة “العرض والطلب” كعامل أساسي في تغيير أسعار السلع، ويرى أن الاحتكار الذي يمارسه التجار، والتحالفات بين كارتل المال والسياسة، هو السبب الأساسي في ارتفاع الأسعار.
السر لدى مصرف لبنان
خلال شهر آذار استقر سعر الصرف عند حدود 20 ألف ليرة، من دون معرفة أسباب ذلك الاستقرار، قبل أن يرتفع ليسجل 25 ألفًا. هذا التلاعب بسعر الصرف، وفق برو، يأتي في إطار لعبة سياسية. وهو يقول: “عندما انخفض سعر الدولار من 34 ألف ليرة، كان ذلك مصطنعًا، ومن تنفيذ مصرف لبنان، لتمرير مرحلة من الاستقرار قبيل الانتخابات. إلا أن ذلك، كلف المركزي مئات ملايين الدولارات من خلال تدخله المصطنع في السوق النقدي لكبح سعر الدولار”. ويضيف: “مع تحرك المصارف في الفترة الماضية والضغط على حاكم مصرف لبنان، عاود الدولار الارتفاع، وانعكس بطبيعة الأحوال على أسعار السلع”.