يريد جبران باسيل ان يبتز الحزب بغية تحسين شروطه السلطوية، ولكنه في الوقت ذاته لا يجرؤ على الانقلاب كلياً على الحزب لأسبابٍ سياسية وانتخابية وحتى شخصية، خصوصاً بعدما سُدّت بوجهه ابواب بكركي وابواب القوات وابواب الثورة، وبات امام لحظة الاستلحاق الكلي للحزب بلا حولٍ ولا قوة، اسوةً بالأحزاب الأخرى التي كانت احزابٍ كبرى ومستقلة في ما مضى، قبل ان ينتهي بها الأمر مع الوقت، مُلحقة صغيرة للحزب، بمجرد اقترابها منه وتحالفها معه.
جبران باسيل الذي لا يجرؤ على الانقلاب على المحور الممانع، رغم كل ما يشعر به من تهميش واستخفاف، يكتفي بالتحايل على نفسه وعلى الناس، من خلال توجيه ضربة على الحافر وضربة على المسمار، فيتهجّم على الحزب في موضوع رياض سلامة لابتزازه في قضية الرئاسة من جهة، ويتهّم من جهةٍ ثانية، قائد القوات اللبنانية بشير الجميّل بوصوله الى الرئاسة على ظهر الدبابة الاسرائيلية، من دون ان يُسميّه، لتطمين بيئة الحزب وإسعادها، والإيحاء لها ان انتقاده للسيد حسن هو لمجرّد تحسين شروطه الرئاسية والسياسية، لا الانقلاب على الخط الممانع، او الخروج منه.
امّا اذا كان بشير قد وصل الى الرئاسة على “ظهر الدبابة الاسرائيلية”، فإن ميشال عون كان هو من وضع دعسة باب الصعود الى هذه الدبابة تحت قدم بشير، من خلال اشتراكه مع الاستاذ انطوان نجم، في وضع “استراتيجية وصول بشير الجميّل الى الرئاسة” التي كتبها بخط يده اعتباراً من 27 ايلول 1980 وانتهى منها بعد حوالى 50 يوماً من هذا التاريخ، وهي الاستراتيجية التي اعتمدها بشير لبلوغ رئاسة الجمهورية في صيف 1982.
ومن ضمن ما جاء في هذه الاستراتيجية:
“…وفي حال ضرورة اخذ الحكم بطريقة غير دستورية، يجب ان نتوصّل مسبقاً الى اتفاق مع اسرائيل على اعتراف متبادل وتوقيع ميثاق دفاع مشترك”.
وفي كتاب وجهّه ميشال عون الى قائد القوات اللبنانية بشيّر الجميّل في حزيران 1981، تحت عنوان” محاسن ومساوىء إعلان القوات اللبنانية قطع علاقتها بإسرائيل”، يورد عون بعض “مساوىء” قطع هذه العلاقة، بحسب رأيه، ومنها:
– إمكانيات الانسياق الى تنازلات اكبر للسوريين
– تحمّل تبعات هذه العلاقة، وتبرئة السوري من كل فعل إقرار بالخطأ.
– إمكانية قطع التموين الإسرائيلي مع كل ما يستتبعه من انعكاسات وخيمة على القوات المسلحة.
حقيقة الأمر ان بشير لم يصل الى الرئاسة على ظهر الدبابة الاسرائيلية، بل وصل على اكتاف المسلمين اللبنانيين وبإرادة غالبية منهم، لأن بشير كان في العام 1982 يمثّل المسيحيين، وكان مرشحهم الوحيد الى الرئاسة الجمهورية، كما كان متحالفاً مع الرئيس الياس سركيس، بما كان يعني ان الأخير كان سيُعيّن بشير رئيساً لحكومةٍ انتقالية في ما لو تم تعطيل الانتخابات الرئاسية عام 1982.
فالرئيس سركيس لم يكن ليترك القصر الجمهوري للفراغ، خصوصاً ان دستور الجمهورية الأولى كان يُعطي رئيس الجمهورية هذا الحق، تماماً مثلما فعل الرئيس امين الجميّل عند تعيين العماد عون رئيساً للحكومة الانتقالية عام 1988.
انطلاقاً من هنا، كان بشير سيحظى بصلاحياتٍ دستورية غير محدودة، تفوق بدرجات كل الصلاحيات الرئاسية التي سيحظى بها في ما لو انتُخب رئيساً للجمهورية، تماماً مثلما صرّح العماد عون عام 1989 بعد تعيينه رئيساً للحكومة الانتقالية قائلاً:”انا رئيس و 6 وزراء”، مختصراً كل السلطة التنفيذية بشخصه، معلناً حروب تحرير والغاء بإسم الدولة اللبنانية مجتمعة، ومن دون الرجوع الى اي سلطة دستورية ثانية.
من هنا، فقد وجد المسلمون ضرورةً في عدم تعطيل انتخابات الرئاسة، وفي تأمين النصاب المطلوب لوصول بشير الجميّل الى السلطة، املاً منهم في تقييده بضوابط وموجبات دستورية، تأخذ التوافقية اللبنانية بعين الاعتبار، وتحول دون تمكين بشير من التحوّل الى ما يُشبه الديكتاتور في ما لو اخفق بالوصول الى الرئاسة، واصبح بالمقابل رئيساً لحكومةٍ انتقالية، خصوصاً في ظل غياب موقع رئاسة الحكومة المسلم عن الحكم، في هذه الحالة.
لذلك فقد حظي بشير بتأييد الغالبية الساحقة من نواب الطائفة الشيعية بشراكة كاملة المواصفات من الرئيس كامل الأسعد، وبدعم ضمني من الرئيس نبيه برّي، كما حظي بدعم عدد لا بأس به من نواب الدروز بشراكة كاملة من الزعيم مجيد ارسلان، وعدد لا بأس به من النواب السنّة مقروناً بدعمٍ لاحق من الزعيم السني الكبير صائب سلام، بالإضافة الى استحواذه على دعم المملكة العربية السعودية وعراق صدّام حسين والاردن ومصر، وسواهم من الدول العربية الفاعلة.
امّا اسرائيل فقد كانت تتمنّى لو بقي بشير قائداً للمعسكر المسيحي دون وصوله الى الرئاسة، خشية اقترابه من العرب والمسلمين ودخوله في المساومات اللبنانية المعروفة التي تلي انتخابه للرئاسة، غير ان اصرار بشير على تولّي الرئاسة قد عطّل مفاعيل هذه الامنية الاسرائيلية.
يقول الإمام علي، “اتمنى ان تكون رقبتي بطول رقبة البعير. قالوا لماذا يا ابا الحسن؟ قال: كي امضغ الكلمة قبل ان تخرج”.
المشكلة في جبران باسيل ان لديه لسان بطول لسان بعير لا رقبته، لذلك فهو يقول كل ما يجول في خاطره، لتحقيق مصلحته الآنية من دون لا مضغ ولا تفكير، مثلما حصل في موضوع “ظهر الدبابة الإسرائيلية”، حتى ولو كان كلامه هذا يعود ويرتّد عليه وعلى عمّه اضعافاً مضاعفة من السلبية والتخوين والاتهامات، التي أراد الصاقها بسواه.