«ساعة تخلٍ» بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، كادت تعيد عقارب الساعة إلى ما قبل العام 1990، وذلك بُعَيد خروج تفرّدهما في فرض «توقيتهما» على اللبنانيين، عن السيطرة، جرّاء تمرّد لا بل رفض العديد من القوى والقطاعات، المسيحيّة بشكل أدقّ، الإنصياع إلى قرار بدا «عشوائياً» تمّ إسقاطه على اللبنانيين خلافاً للقوانين والنُظم المرعية الإجراء.
تعديل التوقيت الرسمي الذي أُنيط بمجلس الوزراء تحديده بالقرار رقم 5 الصادر بتاريخ 20/8/1998، لا يعدو كونه إجراءً إدارياً، من الممكن تعديله أو إلغاؤه أسوة بغالبيّة الدول الأخرى، لو تمّ رفع أسبابه الموجبة إلى مجلس الوزراء الكفيل باتخاذ القرار المناسب، قبل أسابيع وليس قبل ساعات، وذلك إفساحاً في المجال أمام إعلام الجهات المعنية بهذا القرار لإدخال التعديلات التقنية المطلوبة على الأجهزة والبرامج الإلكترونية التي تتطلّب ذلك. إلّا أنّ «الخفّة» في اتخاذ القرار ومن دون الرجوع إلى المؤسسات الدستورية، أحدثت بلبلة في العديد من القطاعات، ما دفع بعض القوى السياسيّة والمرجعيات الروحيّة، إلى رفض الإلتزام بتوقيت بري – ميقاتي. وهذا ما جعل من القرار أشبه باختبار عملاني لتنظيم الإختلاف، عبر تطبيق «التوقيت الفدراليّ» في الأحياء والمدارس والمستشفيات والمؤسسات والأسواق التجاريّة الموجودة في المناطق المسيحية، فيما أبقت شركات ومصارف على التوقيت الشتوي لـ»بري – ميقاتي» في دوامات عملها، فيما التوقيت العالمي يتحكّم ببرامجها الإلكترونية.
رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التجاوب مع تمني البطريرك الماروني بشارة الراعي الرجوع عن قراره «الإرتجالي» وفق ما نُقِل عن المقربين من الصرح في بكركي، إستدعى من البطريركية المارونية والأبرشيات والمؤسسات التابعة لها، إعلان عدم إلتزامها بقرار بري – ميقاتي. وهذا ما حوّل منصات التواصل الإجتماعي خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى ميدان لاستنهاض الخطاب الطائفي، بعدما رمى ميقاتي المسؤولية على القوى السياسيّة والروحية العاجزة عن الإتفاق على رئيسٍ للجمهورية، يشكّل إنتخابه الأولوية المطلوبة لاكتمال عقد المؤسسات الدستورية وإعادة الإنتظام الكامل إلى الدولة اللبنانية، ومستعيضاً عن إلغاء قرار التوقيت المتسرّع، بإلغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة للتباحث في سلّة من التحفيزات الماليّة للقطاع العام. وذلك، قبل أن تثمر إتصالات رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، المتوجّس من طرح الفدرالية وتوسّع الإنقسام الطائفي، إلى حثّ الرئاستين الثانية والثالثة على تجنيب اللبنانيين إختبار هذا الإنقسام، عبر دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد أمس، والتراجع عن قرار التوقيت. وهذا ما حصل.
وإلى أن يزول هذا الإرباك، إختبر اللبنانيون أمس العيش في «عصفورية»، جرّاء تشابك التوقيت بين أفراد العائلة الواحدة، بعدما ساد التخبّط في بعض المجمعات التجارية الكبرى والمؤسسات التي إعتمدت التوقيت المتّبع وفق «البيئة الحاضنة» لها جغرافياً. فبعد إلتزام المؤسسات التربوية الكاثوليكية بالتوقيت العالمي، عمدت جامعة البلمند إلى إعلان الإضراب تجنّباً للدخول في هذا التخبّط قبل أن تجد في قرار وزير التربية عباس الحلبي في اعتماد التوقيت الصيفي أي العالمي، في جميع المؤسسسات التربوية، مدخلاً للرجوع عن إضرابها.
في حين أبقت المدارس في الجنوب على التوقيت الشتوي. واعتمدت كل من المدارس في البقاع والشمال وجزء من بيروت على التوقيت الذي يناسبها بعدما ترك قرار وزير التربية الثاني، قُبَيل منتصف الليل، الحرية للمؤسسات التربوية في اعتماد التوقيت الذي تراه مناسباً، ما خلّف إرباكاً كبيراً في صفوف الأهالي الذين يعمدون إلى إيصال أولادهم إلى المدارس قبل الإلتحاق بمراكز عملهم. ومع استمرار إضراب الموظفين في القطاع العام، وعدم تأثرهم في التوقيت الرسمي، أو العالمي، ومعهم المدارس الرسمية، وجدت بعض المدارس الخاصة نفسها ملزمةً باعتماد التوقيت الشتوي (بري – ميقاتي)، في المناطق ذات الأغلبية المسلمة. وذلك بعد التهديدات التي تعرّض لها دير ومدرسة مار شربل في الجيّة، من أحد أولياء التلامذة الذي عاد وتراجع عن أقواله، والتي ترافقت أيضاً مع نشر أسماء العديد من المدارس والإرساليات في الشمال وتحذيرها من اعتماد التوقيت الصيفي.
ووسط المتابعين لـ»العصفورية» التي عاشها لبنان منذ تسريب «فيديو» محاولة الرئاسة الثانية التحكّم بتوقيت اللبنانيين، فإنّ ما شهده لبنان يدّل على تحلّل الدولة، لا بل على إندثار هيبتها التي جعلت التمرّد عليها أفضل الوسائل لفرض التمايز عن سلطتها العاجزة عن تأمين أبسط المقوّمات والخدمات لشعبها، وذلك بعد تنامي نزعة المطالبين بإعادة النظر في النظام، والولوج إلى اعتماد الفدرالية بعد أن شكّل قرار «بري – ميقاتي» هدية لهم، واختباراً لرفضه بغطاء سياسي وروحي!