أشرقت شمس اليوم الأحد الثاني من تموز على بشري، التي يلفّها الحزن على “شهيدَي آل طوق “، اللذين سقطا أمس في القرنة السوداء، ممّا أثار موجة غضب واسعة في مدينة المقدّمين، وأدّى إلى تعاطف شماليّ معها، وأداً لفتنة نائمة، ومنعاً لتفاقم الأمور والعودة إلى ما لا تُحمد عقباه، على صعيد العيش المشترك، والتلاقي بين الجوار، وهما ميزتان طبعتا أهل الشّمال، بالرغم من ظروف الحرب وويلاتها، وامتدادها لسنوات طوال. من هنا، تسارعت ردود الفعل المستنكرة، والشاجبة، والداعية إلى تحكيم العقل، والدولة إلى التحقيق لمعرفة الأسباب وكشف الفاعلين وإنزال أشد العقوبات بهم.
لا حركة في أسواق المدينة، والمؤمنون توجّهوا إلى الكنائس صباحاً للمشاركة في قداديس الأحد، وعادوا إلى منازلهم يترقّبون وينتظرون، والجيش ينتشر في كلّ مكان، ويُسيّر دوريّات، ويُقيم حواجز حفاظاً على الأمن ومنعاً لأيّ ردّة فعل لا تُحمد نتائجها.
البشرّاويون يطالبون “بتحقيق شفّاف، كما يطالبون بإنهاء أعمال المساحة في القرنة السوداء، وترسيم الحدود بين قضائي بشرّي والضنيّة، منعاً لاستمرار الإشكالات العقارية المتمادية منذ أكثر من ثلاثين سنة، والتي تتجدّد كلّ صيف بين أبناء من بشري وآخرين من الضنية”، وتنتهي رغم المساعي والمناشدات بتبويس اللحى إلى أن سقط “الشهداء” أمس.
والدولة بكامل أجهزتها الإدارية، والعسكرية، التي لم تنهِ أعمال المساحة رغم علمها بخطورة الوضع، تتحمّل المسؤولية مباشرة في ما آلت إليه الأمور، ووصلت إليه أخيراً، لأنها كما يقول أحد أبناء بشرّي “لو حسمت أمرها لما كان حصل ما حصل بالأمس”.
شائعات كثيرة تمّ تداولها حول الحادثة، وكلّها تهدف إلى التحريض على الفتنة، في وقت لا يحتاج لبنان إلى المزيد من الفتن في ظلّ الظروف غير العادية التي يعيشها، خصوصاً بعد المعلومات التي جاءت عبر تقرير أحد الأطباء الشرعيّين الذي كشف على جثة هيثم طوق (القتيل الأول)، والتي دحضت فرضيّة القنّاص، وقالت بفرضية القتل من قرب، ومن مسافة لا تزيد عن مئتي متر، بسبب دخول الرصاصة من الكتف مروراً بالرئتين والبطن واستقرارها في الفخذ، ممّا يفتح الباب أمام احتمالات عدّة وكثيرة بعيدة عن الشائعات التي صدرت وجيّشت الأهالي ضد أبناء بقاعصفرين.
إلى ذلك، يأتي بيان الجيش الذي تحدث عن منطقة التدريب العسكريّ في المنطقة، وضرورة الابتعاد عنها، حرصاً على سلامة المواطنين، من شأنه أن يأخذ إلى فرضيّات عدّة.
أياً كانت الجهة التي أطلقت النّار، يجب الإعلان عنها ومحاسبتها، لأنّ وأد الفتنة يحتاج إلى تحقيق سريع وشفّاف يكشف حقيقة ما حصل، ويسوق الفاعلين إلى السّجن، ليكونوا عبرة لغيرهم ممّن تسوّل لهم أنفسهم جرّ البلد إلى الاقتتال.
لا شكّ في أنّ الجيش أدّى دوراً كبيراً في لجم حالات الغضب وردّات الفعل وصولاً إلى الاشتباك مع مجموعة مسلّحة من بشرّي، ممّا أدّى إلى مقتل مالك طوق، فضلاً عن تنفيذه إجراءت صارمة وانتشار على طول الطريق التي تربط بشرّي ببقاعصفرين عبر القرنة السّوداء.
ما هي خلفيات الحادثة؟ ومن المسؤول عنها؟، ومن يريد جرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه؟ مَن قتل هيثم طوق؟ وكيف قتل، وبرصاص مَن؟
أسئلة تحتاج سريعاً إلى أجوبة لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، وما أكثرهم!