لم يدّعِ أحدهم يوماً عشقه للاستشهاد، بل آمنوا بالدفاع عن حريتهم ووطنهم ومجتمعهم وعائلتهم مهما كلّف الأمر. صان مقاتلو المقاومة اللبنانية شرفهم وكرامة مجتمعهم، وكانوا يعلمون أنهم في كل معركة وأمام كل طلقة ووراء كل طاقة، متراس أو آلية عسكرية، كانوا معرّضين للإصابة، ومعظم المقاتلين أصيبوا أكثر من مرّة. ولكنهم كانوا يعودون إلى الجبهة ويتنقّلون بين الجبهات، لا بل كانوا يتنافسون ويستبسلون، ويزودون عن رفاقهم قبل أنفسهم. فهل يمكن لعاقل أو حاقد أو حاسد أن يشكك بإرادتهم وخيارهم ووعيهم؟
أمور كثيرة من حقوقهم لم تخطر ببالهم وتنازلوا عنها أمام نداء الواجب، وهذا ما لا يمكن للخبثاء والجبناء استيعابه. وقطعاً لا يمكن لعقلهم المحدود بالمال والشهرة والإدمان والسكر والنكران والأنانية أن يرتقي وينطق باسمهم ويتحدث عنهم بلسانهم. ولا يمكنهم أن يتحدثوا عن شهامتهم وشجاعتهم، لأن الاعتراف بأنهم ارتفعوا لنبقى ونستمر يفرض عليهم التزاماً بأن تكون حياتنا جديرة باستشهادهم. وهذا يتطلب التزاماً أكبر من فلتانهم، وشموخاً أكبر من تواضعهم، وحباً أكبر من حقدهم، وساحة أشرف من مسرحهم، وعطاءً أكبر من قدرتهم…
رفاقي الشهداء والأسرى والمصابين، هؤلاء السفهاء الجاحدين يدينون لكم ولا يستطيعون مبادلتكم. ولكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم المقيتة أنهم لا يستطيعون منافستكم، ولا يمكنهم أن يحفظوا العهد المقدّس. فالتحقوا بجميع العهود، أما نحن فعلى عهدكم باقون، وعلى أمانتكم أمناء، وعلى دروبكم نسير حتى الحرية… أو الاستشهاد على طريقها، ممسكين بصليبنا وحاملين صلبان المنافقين وفساد خبزهم وكذب كرمهم.