نصرالله يخيّب نفسه وبيئته ومحوره
جاءت كلمة نصرالله مليئة بالتبريرات، ومخيبة لخطابه السابق في تشييع قائده العسكري الأول فؤاد شكر، حيث ألزم نفسه وأولياء أمره في طهران وسائر محور الممانعة في لبنان والمهجر بردّ حقيقي على إسرائيل، ليس بسبب عمليات الاغتيال في الضاحية الجنوبية لبيروت وطهران فحسب، بل لاستعادة شرف طهران الذي اغتصبته إسرائيل باغتيال أحد ضيوفها.
لم تخرج العنتريات عن إطارها المألوف في خطابات نصرالله، وأرفقها بعنتريات نفسية واقتصادية ومالية، وأسهب وأطال وأفاض في إيهام بيئته بأن العدو يخشى محوره، وبأن هذا العدو جبان، وبأن كل الكيان مهزوز بسبب حرب الدعم والإسناد التي شنّها بذريعة نصرة غزة، بحيث يخال المرء بأن “ح ز ب” الله هو الذي اغتال أحد المسؤولين في تل أبيب، وبأن طهران هي من قامت بعملية في القدس، والعدو لا يجرؤ على الرد، بسبب وجود الأساطيل البحرية وأسراب الطائرات الحربية الإيرانية واليمنية في المنطقة. هذا منطق قلب الحقائق الذي يلجأ إليه نصرالله، وكأن العالم لا يتابع إلا قنوات الممانعة مثل المنار والميادين، وما شاكل وشابه.
الواقع أن العكس هو ما حصل ويحصل. القوي والقادر والشجاع لا يقبل الوساطات قبل الردّ على المساس بأمنه، وإعادة الاعتبار لكرامته، والثأر لشرفه. حتى كلمة وساطات مبالغ فيها، بل هي تحذيرات تلقتها القيادة الإيرانية من دول الغرب، ومن إسرائيل تحديدًا، بالترويج لضربة استباقية، وحتى من موسكو التي ستقدّم لطهران منظومة دفاع جوي. وقد فعلت هذه التحذيرات فعلها وأدّت غرضها في كسر شوكة إيران والممانعة، وإرساء معادلة: “سنضربكم، ومن غير المسموح أن تردّوا لأننا سنضربكم أكثر.” فاكتفى محور الممانعة بالرد النفسي.
نصرالله أعجز من أن يردّ على إسرائيل، وإن امتلك الرغبة والحجة والإرادة، فهو لا يمتلك القدرة، ومن مصلحته التهدئة وتأجيل الأمر المحتوم، وابتلاع الموس إن استطاع، واختيار أهون الشرين خوفًا على جلده. وضع نفسه في مأزق، فالردّ مصيبة، وعدم الردّ مصيبة أكبر، لأن إسرائيل ستضرب من جديد، وعلى الأرجح قبل انفضاض الحشد العسكري الغربي، وقبل الاستحقاق الرئاسي الأميركي. وكما قلنا من قبل ونردد ونكرر، إن محور الممانعة أمام أشهر صعبة وقاسية ومؤلمة، ستفرض عليه أقصى وأقسى درجات “الصبر والبصيرة والحكمة والروية والوعي.”