“بيت بيوت” الانتخابات
يُكثِرُ من يسمون أنفسهم “أصحاب بيوت سياسية”، من شعارات “ما فوق حَداثِية” (من حَداثَة)، كـ”العلمنة” و”المواطنة” و”التعايش” و”الاعتدال”. وكأن ترديد هذه الشعارات، يحجب عن الناس أن مفهوم “البيت السياسي” بحد ذاته مفهوم رجعي، ماضوي.
إذا استعرنا من الإنجيل تشبيهاً لـ”البيوت السياسية”، قد يصح فيهم قول المسيح إنهم “كالقبور المُكَلَّسة، يبدو ظاهرها جميلاً، وأما داخلها فممتلئ من عظام الموتى وكل نجاسة”.
وبينما، تتهيب في الغرب، الأحزاب العريقة في ديمقراطيتها أمام هذه الشعارات النهضوية، يستسهل أحفاد الوراثة السياسية استعمال هذه الشعارات. فوراثة الأب والابن، من عظام موتاهما.
ولأن صاحب “البيت” حر ببيته، يكفي أن نعود إلى أرشيف الحوادث والمراحل لنكتشف كيف تقلَّبَت مواقف “البيك” بتقلُّبِ الظروف. من اللبادة والطربوش إلى الكوفية الفلسطينية على الرقبة، إلى “جِلّ الشعر”.
لا تُضاهي الأحزاب اللبنانية مثيلاتها في الغرب في ممارسة أقصى درجات الديمقراطية وتداول السلطة، ولكن إذا قورنت أحزابنا بـ”بيوتنا” سقطت “البيوت” في امتحان الديمقراطية، سقطة مروعة. فبينما تتجه أحزابنا ولو ببطء نحو الأمام، تسير “البيوت” بسرعة إلى الخلف. الصورة ليست سوداء.
كانت تلك “البيوت” المؤثر الأساس في الحياة العامة، وانتخابات بعد انتخابات أصبحت تُصارع البقاء وتنتظر إلى اللحظة الأخيرة لتركب في لائحة.
هذه البيوت لا تجد غضاضة في التحالف اليوم مع شخصيات تتناقض مع تحالفات حصلت قبل أربع سنوات. المهم بقاء “البيت المفتوح” وألّا ينبت العشب على الدرج. وتباً للعلمانية والتعايش والاعتدال إذا اقتضت المصلحة الشخصية.
هذه “البيوت” التي تُعاند مسار المنطق السياسي، تفتح لها بعض الأحزاب باب الانتظام بعمل سياسي واسع عماده التكتلات والأحزاب، وربما من حسن حظنا أو سوئه أنها تُعاند، ففي عنادها تَشُدُّ بنفسها الخناق على رقبتها انتخابات بعد انتخابات.
بيوت “الإزعاج السياسي”، ستعجز عاجلاً أو آجلاً عن مواكبة الحداثة أو الأحداث، لأنها تسير بعكس المسار رغم وعورته والصعوبات. لمعركة “انتخابات أيار” شعارات مركزية كالسيادة وقيام الدولة، ولكن بيوت “الفطريات السياسية” التي تنبت على كعوب أشجار الأحزاب استمدت وتستمد بقاءها من استغلال النقيضَين والقويَّين ومن اللعب الدائم على “الحبلين”. وحبل “التكاذب” يقصر على مهل مع الأيام.