“الافلاس” كلمة شغلت اللبنانيين، منذ مطلع الأسبوع في ضوء الكلام الذي أدلى به نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي في اطلالته التلفزيونية، وما رافق ذلك من توضيحات وتبريرات…
وهذه الكلمة وان كانت في محلها اما لا الا انها في الواقع لامست الجميع نتيجة للازمة المالية والاقتصادية واحتجاز اموال المودعين، حيث كل الاحتمالات واردة، لا سيما في ظل غياب اي حلول ناجعة او معالجات جذرية.
ولكن في المفهوم الاقتصادي الدولة لا تفلس بل تتعثر او تتوقف عن دفع الديون، وهنا يشرح الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، عبر وكالة “أخبار اليوم” ان “الافلاس” هو مصطلح قانوني له تداعيات قانونية قد تكون نهايته تصفية الشركة او بيع كل ما يملكه اي فرد في حال وصل الى مرحلة الافلاس اي bankruptcy، وبالتالي هذا المصطلح لا ينطبق الا على الشركات والمؤسسات والجمعيات والافراد، وهو في المعنى البسيط يؤدي الى بيع كل الاملاك.
ويقول ان الشركات حين تتعثر قد يصل بها الامر الى الافلاس، وفي محاولات المعالجة عند التعثر يتم تعيين redressement judiciaire أي حارس قضائي الذي عليه أن يدير الأشغال، في محاولة لتصحيح الوضع خلال ستة أشهر، وإذا لم يتحقق النجاح تتم تصفيتها.
واستطرادا، يشير عجاقة إلى أنّ “الافلاس” لا ينطبق على الدولة لانه لا يمكن تصفيتها، فحتى لو تم بيع كل املاكها ، فلا يمكن “بيع” الضرائب والرسوم اي المداخيل السيادية التي من المستحيل تأجيرها او المتاجرة بها.
ويضيف” مصطلح “الافلاس” لا يصلح لتوصيف اي دولة، فالدول لا تفلس لان المداخيل السيادية لا تتوقف – وان كانت قليلة- لذا يكون التوصيف الصحيح هو التعثر Default. وفي الحالة هذه تعاد هيكلة الديون، مشددا على ان التعثر بالنسبة الى الدولة هو تراكم الديون دون القدرة على سدادها نتيجة السرقة والفساد، لذلك تبدأ عمليات اعادة الجدولة واعادة الهيكلة، وهذه هي جزء من خطة التعافي.
وبالانتقال الى كلام الشامي، يقول عجاقة: نائب رئيس الحكومة هو رجل مخضرم في التعامل مع صندوق النقد والشأن المالي والاقتصادي، فكيف يمكن له ان يتحدث عن افلاس الدولة ومصرف لبنان، وبالتالي هناك عدة أسباب لكلامه، منها:
-زلة لسان وهي مكلفة لشخص في منصبه، كونه رجل في سدة المسؤولية.
– لا يحق له الكلام في المواضيع السيادية، لان من يصرح في مثل هذه المواضيع هو رئيس الحكومة بعد ان يتم التفاهم في مجلس الوزراء مجتمعا، كما انه لا يحق له التكلم عن مصرف لبنان كون الحاكم هو الناطق باسمه ايضا بعد ان يكون المجلس المركزي قد اتخذ القرار، وبالتالي لا بد من احترام التراتبية
– توجيه رسالة الى المودعين بان الاموال اختفت، علما ان خوف المودعين اكبر من خوف نائب رئيس الحكومة
– توجيه رسالة الى المصارف، وهنا ايضا لا معنى لها فالمصارف مطوقة قضائيا
– توجيه رسالة الى صندوق النقد من اجل تخفيف الشروط، ولكن هذه الشروط معروفة ولم يتم الالتزام بها بدءا من اصلاح الكهرباء، اقرار الموازنة، تشريع الكابيتال كونترول.
ويتابع عجاقة: الشامي مخضرم، ويدرك الواقع، وبالتالي هل قصد بكلامه التمهيد للخصخصة، اي بيع الممتلكات التي ما زالت حصرا ملكا للدولة، وفي مقدمها العقارات التي تصل مساحتها ما يقارب 6 مليارات متر مربع وهي تتوزع على ملكية خاصة للدولة ومشاعات التي يمكن للدولة ان تستفيد منها كايجار واستثمار.
وبالتالي، يرى عجاقة ان الافلاس الحقيقي غير موجود بل لبنان يعاني من مشكلة سيولة، لان لدى الدولة كم هائل من الانفاق بالدولار لا يقابله مدخول بالدولار… وبالتالي الازمة غير مستغربة، اذ بالارقام نستورد بما يوازي الـ 11 مليار دولار ونصدر بنحو 3 مليارات فقط، اضف الى ذلك ان ارباح التصدير تبقى خارج البلد.
وهنا يسأل عجاقة: هل يمهد الشامي للخصخصة؟ قائلا: في هذا المجال لا بدّ من التنبيه الى ضرورة عدم حرق الاسعار، لان اي شراكة مع القطاع الخاص يجب ان تكون استثمارية وفق شروط محددة على ان تبقى ملكية اي قطاع للدولة.
ويشدد على ان مثل هذه الملفات يجب ان تكون مدرجة ضمن خطة التعافي التي لن تبصر النور لا قبل الانتخابات النيابية ولا في المدى المنظور بعد الانتخابات، فمن الواضح من خلال المؤشرات ان القوى السياسية لا تريد في الوقت الحالي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وقد تجلى ذلك من خلال عدم اقرار الكابيتال كونترول والموازنة واستقلالية القضاء… وما سوى ذلك من شروط اصلاحية كان قد طالب بها الصندوق.
وعن الاعلان عن مسودة الاتفاق مع صندوق النقد امس، يوضح عجاقة أنّه من دون خطة التعافي لا يمكن الحديث عن أي اتفاق الذي لا يصبح ساري المفعول إلّا بعد اقراره في مجلس الوزراء، ويختم: في مجلس الوزراء جميعنا يعلم البازارات والسجالات!