في جلسة قبل الإفطار مع الشّاعر الكبير عمر شبلي، والّذي هو عمّي شقيق أبي.
كنّا ندردش حول لقاء عقدناه قبل يوم عبر اتحاد الأكاديمين والعلماء العرب للشّاعر بعنوان:
“دور الشّعر في بناء الإنسان”
وكان قد عرج في لقائه عن فشل الإسلام في إلغاء الشّعر، وتراجع النّبي عن قتل كعب بن زهير؛ بعد أن مدحه بقصيدة “بانت سعاد”.
وتأكيدًا لانتصار الشّعر، خلع النّبي بردته على كعب.
تناولنا في الحديث معنى أن يكون المبدع عاجزًا عن المساومة على إبداعه. لأنّ الإبداع وحي كوحي السّماء.
قدسيته في روح مبدعه، لا في وظيفته الّتي يمارسها على المتلقّي فقط.
كان لأحد الحاضرين رأي في أنّ المبدع بشر يحتاج الطّعام والشّراب.
وهنا كان لا بد من الانتفاض على هذه العصا المجمّلة بالشّفقة والحرص.
لأنّ المبدع الّذي يضع نفسه بين خيارين: إبداعه أو الرّغيف، عليه أن يستسلم للرّغيف، وأن يتوقّف عن النّبوءات.
لأنّ الرّغيف حين يعبر النّار، لا يفكّر بإنقاذ نفسه.
والمبدع كما الرّغيف. كلاهما يحترق لأجل أن يشبع النّاس.
وهنا تخيّلت لو أنّ يسوع المسيح قرّر من على صليبه المساومة، لأجل الإنتقام، أو الرّغيف. لكانت سقطت التّجربة بكاملها.
في المساء، تابعت فيلم
The dresser
لأنتوني هوبكنز..
الفيلم تمّ تمثيله كلّه في كواليس المسرح، وفي أوقات تواجد أنتوني في غرفة الملابس، والمكياج.
كان يعاني من لحظات ما قبل الدّخول إلى الخشبة، فيخرج من ذاته، ولا يدخل في الشّخصيّة، ويظلّ عالقًا، ليبدأ كلّ من حوله يحثّه على الدّخول.
وما إن يصبح فوق الخشبة، حتّى يتحوّل إلى إله يتحكّم بمصائر كلّ ما فيه، وما حوله من ممثّلين وجمهور.
في نهاية الفيلم دخلتّ إلى غرفته فتاة تشارك في صناعة المؤثّرات، طلبتْ منه أن ينصحها. فسألها عن شغفها بالمسرح. وأمرها ألّا تساوم على شغفها، مهما ارتفعت التّكلفة.
بعد أن غادرت انفجر باكيًا، فقد توسّل أكثر من ممثّلة معه، لئلّا تتخلّى عنه لهول ما فيه من فراغ، وحزن.
كان إلى جانبه مساعده الّذي قضى العمر يلبسه قبل دخوله إلى المشهد.
كان انتوني يغطّ لدقائق بين المشهد والمشهد.
تمدد ليغطّ. وقال: الآن تبدأ حياتي.
تقدّم منه مساعده ليكتشف أنّه قد مات.
بكى الأخير، وهو يتساءل:
ماذا عنّي؟ لا يمكنك أن تتركني وحدي! إلى أين سأغادر؟!
ثمّ غطّاه برداء جورج الخامس، ومدّ له لسانه مناكفًا.
وعاد يبكي.
ليس من الإنصاف أن يعطى المرء موهبة، ثمّ يجلس حاقدًا على الكون والحياة لأجل ما أعطي الجميع من رغيف ومال.
إن من واجب الأسرة الّتي ترعى طفلًا موهوبًا، أن تهيئه إلى قسوة أثمان النّبوءة.
فليس للمبدع إلّا إبداعه. وما خلا ذلك يفسده ضوءًا ووحيًا.
عمر سعيد