حرّكت عودة كل من سفيري المملكة العربية السعودية وليد بخاري والكويت عبد العال القناعي مسارات التواصل بعدما عادت اليها الحرارة ولو نسبيا من جديد.
هذه العودة بعد ستة اشهر من سحب السفراء، والتي يفضل السفراء تسميتها “استدعاء”، ما كانت لتحصل لولا تطورات متسارعة حصلت على غير صعيد، لبنانيا واقليميا ودوليا، والتي تؤشر الى ان تسويات ستحصل ستمتد مفاعيلها الى أمد ليس بقصير، وبما ان البراغماتية الدولية تشبه المثل الشعبي اللبناني القائل “من حضر السوق باع واشترى”، فان من يتواجد في ساحة التسويات سيكون له دور ما يجعل منه غير مغيّب نتيجة تغييب نفسه في خضم اشتداد الازمات والتي تترافق مع عمليات ضغط كبيرة لفرض وقائع على مستوى المنطقة ومنها لبنان.
في القراءة الغربية للواقع اللبناني بعد سحب السفراء، والتي ابلغت الى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، خلاصات اساسية ابرزها:
اولا: من الخطأ، لا بل الخطيئة، ترك الساحة اللبنانية والانكفاء وعدم لعب اي دور في صوغ الحلول للازمات المتعاظمة.
ثانيا: ليس كل فراغ يحصل فورا يتم ملأه من جهات اقليمية اخرى، وبالتالي الانكفاء العربي وتحديدا الخليجي، حكما سيملأه الايراني والمحور الذي يدور في فلكه على صعيد المنطقة.
ثالثا: الانهيارات الكبيرة الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان بدأت تتحول الى ازمة حكم وازمة نظام، مما يعني حكما الاستفادة القصوى من الغياب العربي عن ساحة الحلول في لبنان، لصياغة عقد اجتماعي جديد، حكما سيكون على حساب انهاء زمن حكم دستور الطائف، وهذه ستكون نهاية الدور العربي الحاسم في لبنان.
رابعا: كل استطلاعات الرأي والمسوحات الميدانية والتقارير السرية وغير السرية، تشير الى ان خطأ ارتكب في التعاطي مع المكون السني في لبنان وتحديدا مع زعامته السياسية متمثلة بشخص الرئيس سعد الحريري، الذي اضطر الى تعليق عمل تياره الساسي وتعليق المشاركة في الانتخابات النيابية، مما جعل الساحة مباحة لملئها من كل الاشكال والالوان والتوجهات.
خامسا: ذات الاستطلاعات والمسوحات والتقارير اشارت بشكل حاسم الى ان تحالف ما كان يسمى قوى 8 اذار ذاهب الى تحقيق نتيجة كبيرة في الانتخابات النيابية التي ستجري في 15 ايار المقبل، بالاستفادة من الفراغ الكبير الذي تركه انكفاء الحريري وتياره السياسي، والذي انعكس تشظيا في كل فريق القوى الاتي كانت مسماة 14 اذار، مما يعني مسك القرار النيابي والحكومي والرئاسي.
سادسا: من الافضل والاجدى العودة الى لعب الدور الطبيعي على الساحة اللبنانية، لا سيما في وقف الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي، وهذا الامر سيزيح الغشاوة الكثيفة في نظرة النسبة الاكبر من اللبنانيين الى الدور الخليجي والعربي الذي يعتبرون كان سلبيا ولم يكن كما هي الحال على مدى التاريخ البعيد والمتوسط والقريب.
انطلاقا من كل هذه المعطيات، فان العودة الخليجية الى لبنان ينظر اليها غربيا على انها استعادة للدور الطبيعي السابق والذي يجب ان يستمر في مساعدة لبنان ومنع سقوطه وتفككه من جديد، من هنا كانت زيارة السفير السعودي وليد بخاري الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي سيتبعها لقاءات مع كل المراجع السياسية بعدما افتتحها بلقاءات مع المرجعيات الروحية.
وما اليوم دبلوماسي الحافل الذي شهده القصر الجمهوري امس، الا فاتحة جديدة من شأنها ان تريح الاجواء على ابواب الاستحقاقات الدستورية النيابية والرئاسية، فبعدما تسلم رئيس الجمهورية ميشال عون اوراق اعتماد اربعة جدد معتمدين في لبنان هم: سفير اوستراليا اندرو بارنز ،وسفير باكستان سلمان اطهر، وسفير اسبانيا خيسوس اغوادو، وسفير دولة قطر إبراهيم بن عبد العزيز محمد صالح السهلاوي. كان الموعد المنتظر مع سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري. اللقاء الذي من الخطأ قياسه بمدته الزمانية انما بمدلولاته السياسية، كان السفير بخاري الاكثر كلاما في خلاله، حيث جرى عرض للاوضاع العامة والعلاقات الثنائية، بعدما كانت معايدة ودية لرئيس الجمهورية بمناسبة قرب حلول عيد الفصح المجيد، حيث ابلغ بخاري الى عون حرص المملكة العربية السعودية على مساعدة الشعب اللبناني في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، مع التشديد على تفعيل العلاقات بين البلدين بعد استدعاء السفراء الذي حصل، واضعا رئيس الجمهورية في تفاصيل آلية عمل الصندوق السعودي الفرنسي المشترك المخصص للدعم الإنساني وتحقيق الاستقرار والتنمية في لبنان.
والمطلعون عن كثب على جو اللقاء اكدوا انه “كان بروتوكوليا انما وديا للغاية، وجولة اللقاءات الرسمية للسفير بدأت في المقر الرئاسي الرسمي وهو المكان الاسمى، وسيشمل المقرات الرسمية الاخرى، ودائما كان السفير بخاري يشيد بجهود رئيس الجمهورية وسيما في موضوع مكافحة تهريب الكبتاغون الى المملكة العربية السعودية والتي تسببت بأزمة في حينه، وابدى استعداد المملكة لمساعدة الشعب اللبناني. وعودة السفراء هي عودة بروتوكولية سياسية وقد تحمل ايضا اشارات اقتصادية على ما نأمل، بالرغم انه لم يحصل كلام محدد بهذا الموضوع، ولكن نأمل بأن يعود الخليج الى لبنان ليس فقط سياسيا وبروتوكوليا، بل ايضا اقتصاديا وماليا ونقديا، وهذا جلّ ما نأمله من اشقائنا العرب في ايام العز وفي ايام الصعاب، فكيف بأيام الصعاب التي نعيشها منذ عدة سنوات”.