جبهة لبنان نحو الأخطر:”انتقام نوعي مُتبادل”بين إسرائيل و”الحزب”
“إننا في المرحلة الأكثر خطورة بالجبهة الشمالية”، “التصعيد في الشمال بارتفاع متواصل”، “استهداف ثانٍ لموقع إسرائيلي حساس”، هي العناوين الأبرز لوسائل الإعلام العبرية في سياق مواكبتها لتطورات المواجهة بين “الحزب” وإسرائيل في الجبهة اللبنانية خلال الأيام الأخيرة.
واختصر الإعلام العبري سردية تبادل “الضربات النوعية” بين الطرفين وفق ديناميكية الانتقامات النوعية المتبادلة” بينهما: إسرائيل اغتالت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، فانتقم “الحزب” بقصف قاعدة جوية استراتيجية لإسرائيل في جبل ميرون، لترد الأخيرة باغتيال القيادي في قوات نخبة الحزب وسام الطويل، قبل أن يأتي رد الحزب باستهداف موقع عسكري استراتيجي آخر بطائرات مُسيّرة في صفد شمال فلسطين، وأخيراً استهدفت إسرائيل ثلاثة من مقاتلي الحزب في بلدة الغندورية جنوبي لبنان، بزعم ضلوعهم في “هجوم المُسيّرات”.
وبهذا التوصيف، أقر الإعلام العبري بأن “الحزب” تحول أخيراً إلى استهداف مواقع إسرائيلية حساسة ونوعية، وأن إسرائيل ردت أيضاً بتنفيذ هجمات نوعية ضد الحزب ضمن معادلة “واحدة بواحدة”.
واعتبرت تحليلات عسكرية إسرائيلية أن الواقع الميداني آخذ بالتصعيد في الجبهة الشمالية، كما لو أنه “حوار الضربات النوعية المتبادلة”، ما دفع المحللين في تل أبيب إلى وصف المرحلة القائمة بـ”الخطيرة للغاية”، رغم اعتبار مراسلين عسكريين مواكبين لتطورات الحدود اللبنانية الفلسطينية، أنّ كلاً من الطرفين غير معنيين بالحرب الواسعة، مع الإشارة إلى أن تطور الضربات “النوعية” قد يؤدي إلى فقدان السيطرة، وبالتالي جر المنطقة إلى الحرب الشاملة.
وقال المحلل الإسرائيلي للشؤون الأمنية والعسكرية إيال عاليما، في تصريحات تلفزيونية، أن تطورات جبهة لبنان عززت مخاوف الولايات المتحدة من سيناريو التدحرج نحو الحرب الشاملة، وهو أمر اعتبره مبرراً لزيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، بموازاة جهود يبذلها أيضاً المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين.
وهنا، تحدث الإعلام العبري عن مبادرات أميركية ودولية وإقليمية للوصول إلى حل سياسي مع “الحزب”. وتابع عاليما: “هنالك قلق أميركي كبير من أن اعتبارات سياسية وشخصية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستدفعه إلى إطالة الحرب على غزة، وفتح معركة الشمال”.
ورأت صحف عبرية في واقعة اغتيال وسام الطويل، باعتباره “قيادياً في المرتبة الثالثة بقوة نخبة الحزب”، رسالة إسرائيلية ضمنية للحزب بأنها “قادرة على الوصول إلى قيادات أعلى رتبة إذا أرادت”، في حين رأى خبراء عسكريون إسرائيليون أن “الانتقام النوعي المتبادل” يجعل قائمة الحساب بين الطرفين مفتوحة.
وبينما تتحاشى إسرائيل إعلان مسؤوليتها عن اغتيال الطويل، وأي اغتيالات أخرى عابرة للحدود، قال تلفزيون “مكان” العبري أن “الحوار الناري المستمر” بين “الحزب” وإسرائيل لا يحتاج بالضرورة إلى إعلان رسمي، لأنهما يدركان لائحة الحساب بينهما.
وفسر محلل “مكان” العسكري عدم إفصاح الجيش الإسرائيلي عن مسؤوليته بخصوص عمليات الاغتيال خارج الحدود، بالإشارة إلى أن دافع سياسة الغموض “قانوني فقط”، تحاشياً لمشاكل قضائية وسياسية ودبلوماسية قد تواجهها إسرائيل، نتيجة اختراقها حدود دولة ذات سياسية، وإنهائها حياة شخص خارج القانون. وارتأى مذيع التلفزيون الإسرائيلي الرسمي أن يقدم مداخلته بهذا الشأن، بقوله: “لذلك، تفضل إسرائيل الضبابية التي تخدمها في معظم الحالات”.
والحال أن الحوار الناري المتصاعد يقوم على أساس اعتبار تل أبيب للمعركة القائمة فرصةً لإبعاد “قوة الرضوان” عن الحدود، بوصف ذلك هدفا رئيسياً لإسرائيل، بحجة “إزالة التهديد عن السكان الإسرائيليين، وتمكينهم من العودة إلى منازلهم”، حسبما أفادت أقلام في صحف عبرية متعددة.
وهنا، برزت ادعاءات إسرائيل بشأن تسويغ تشديد القصف على بلدات ومناطق معينة في جنوبي لبنان، مثل الخيام ومروحين وجبل بلاط وغيرها، لأنها “مناطق استراتيجية تعطي أفضلية للحزب من أجل استهداف إسرائيل”، بدعوى أنها بلدات مرتفعة واستراتيجية توفر لمقاتلي الحزب إمكانية التواري عن الأنظار، وإطلاق الصواريخ نحو الأهداف الإسرائيلية.
إلى ذلك، قدم موقع “ألما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، ذرائع عسكرية لاستهداف مواقع وبلدات لبنانية بعينها في المعركة الدائرة. وادعى أنّ مقاتلي الحزب وصواريخه منتشرة في جميع القرى الشيعية البالغ عددها 200 قرية في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، وما فوق، وصولاً إلى الحدود. وزعم الموقع الأمني الإسرائيلي أن هذه المناطق “جزء من البنية التحتية العسكرية للحزب” وجزء مما يسميه الحزب “خطة الدفاع الإقليمي الجنوبي”.
وأكمل الموقع بأن خطة الحزب “الدفاعية” تقوم على خطين: الأول يمتد من الحدود الفلسطينية إلى نهر الليطاني، والثاني يمتد من شمال نهر الليطاني إلى نهر الزهراني. وزعمت الاستخبارات الإسرائيلية أن القدرات المضمنة في خط الدفاع الأول هي في الواقع “هجومية للغاية وتعتمد على القوة النارية، ورأيناها موجهة نحو شمال العمق الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي”.
واللافت أن تقديرات إسرائيل الأمنية تعترف بأن حجم هجمات الجيش الإسرائيلي ضد “الحزب” حتى اللحظة “لا تشكل ضربة جدية وحقيقية لقدراته”، ما يعني عدم حدوث ضرر كبير على جاهزية منظومات الحزب المتعددة، خصوصاً “المصفوفات الرئيسية”، مثل المصفوفة النارية (الصواريخ والصواريخ الموجهة)، ووحدة “الرضوان” النخبوية.
وعقب موقع “ألما” بأن معظم عناصر “الحزب” الذين قُتلوا ليسوا من وحدة “الرضوان” وإنما من وحدات الحزب الجغرافية في جنوب لبنان، مستنداً إلى تقديرات أمنية مفادها أن “ما بين ربع وثلث” شهداء الحزب ينتمون إلى وحدة “الرضوان”.