“ما لحقنا نخلص من كورونا حتّى إجانا فيروس جديد”، جملة سيُردّدُها اللبنانيون، بعدما بدأ فيروس جدري القرود بتوسيع انتشاره في دول العالم، من أميركا إلى أوروبا فأفريقيا، وصولًا إلى دول البحر الأبيض المتوسّط، حيثُ سُجّلت أمس الجمعة إصابةٌ في إسرائيل.
وفي هذا الإطار، يتساءَل اللبنانيون الّذين أنهكهم في الفترة الماضية فيروس كورونا، اقتصادياً ومعيشياً وحتّى اجتماعياً، عن خُطورة جدري القرود وعن احتمال انتشارِه ووصوله إلى لبنان، خصوصاً في ظلّ عدم وجود ضوابطَ وإجراءاتٍ جدّية من قبل الجهات الرسميّة لناحية الحدّ من توسُّع رُقعته.
ويُطمئن نقيب الأطبّاء في لبنان الدّكتور شرف أبو شرف في حديثٍ لموقع “نداء الوطن” الإلكترونيّ إلى أنّه حتى الآن، لبنان بمنأًى عن جدري القرود، ومن الصعب أن يتكرّر سيناريو كورونا لأنّ هذا الفيروس النادر، شبيهٌ بالجدري البشريّ الّذي تمّ القضاءُ عليه في ثمانينات القرن الماضي.
وأكّد أبو شرف أنّ العدوى تأتي عن طريق الدم أو الهواء والاحتكاك المباشر القريب، ومن عوارضه الحُمى، الحرارة العالية، آلام بالعضلات، تضخم الغدد اللمفاوية، الطفح الجلدي بدايةً على الوجه واليدين.
ومن هنا، يُمكن للمصاب أن يتلقّى علاج العوارض، لأنّ جدري القرود فيروس عاديّ، داعياً إلى الانتباه من الأشخاص الذين يأتون من الخارج وخصوصاً من أفريقيا.
ولفت أبو شرف إلى أنّ تأثيرات جدري القرود خفيفة على الإنسان، والأكثرية تتعافى بغضون أسابيع. فهذا الفيروس صار موجوداً في عدد من البلدان، مثلًا في بلدان أميركا، أوروبا، وأستراليا ولكن بأعداد خفيفة وقليلة جداً، ولكنه لا يترك تأثيرات أو مشاكل على المصاب. وتمّ رصد سلالتَين رئيستَين للمرض: سُلالة الكونغو الأشدّ فتكاً، والتي تصل فيها نسبة الوفاة إلى الـ10%، وسُلالة غرب أفريقيا بمعدّل وفيات أقلّ بكثير، بنسبة 1%.
واعتبر أنه من الضروريّ أن تتعاون الدولة سريعاً مع منظّمة الصحة العالميّة ليتمّ تزويدُ المختبرات بالفحوصات وتأمين اللقاح اللازم، واللقاحات التي كانت تُؤخذ سابقاً وتُؤمن حمايةً بنسبة 85% تقريباً.
أما عن التدابير التي يجبُ اتّباعُها كي لا يتكرّر سيناريو كورونا في لبنان، فقال أبو شرف: “علينا اتّباع التدابير الوقائية وعدم الاقتراب أو الاحتكاك بالأشخاص المعرّضين والّذين يحملون عوارض جدري القرود، إضافةً إلى غسل اليدَين، والابتعاد عن الأشخاص المُشتبه بالتقاطهم العدوى، فضلاً عن ضرورة تأمين الدولة اللقاحات”.
وتابع: “لقاح جينيوس، لقاحٌ ضدّ الجدري ويمكن استخدامُه ضدّ جدري القرود، وهو غير موجودٍ حتى الآن في لبنان ولكن يُمكن للدولة، وعن طريق منظمة الصحّة العالميّة، أن تحصل عليه”.
ودعا المواطنين إلى التّحلّي بالوعي الكافي كي لا يتفشى الفيروس.
وأكّد الاختصاصي في الأمراض الجرثوميّة والمعدية الدّكتور ناجي عون، في حديث لموقع “نداء الوطن” الالكتروني، أنّ حتى الآن لا اشتباهَ بإصابةٍ بجدري القرود في لبنان، إلا أنّه قد يصل في أي وقتٍ، لأنّ طريقة انتقال العدوى تتمّ بالاحتكاك مع شخصٍ أو مع حيوانٍ مُصاب.
وتابع: “يجب في هذا الإطار أن نُطمئن اللبنانيّين وأن نُبشّرهم أنّ جدري القرود ليس معدياً كما قوّة فيروس كورونا وسرعته. فالعدوى تأتي عن طريق الإفرازات الجلديّة أو من خلال إفرازات الجسم المخاطية واللعابية”.
وقال: “كي يتمّ التقاطُ العدوى، على الشخص أن يكون على احتكاكٍ مع المُصاب والإفرازات لا تبقى طويلاً في الهواء ولا تصلُ لمسافاتٍ بعيدة. هي إفرازاتٌ تتساقط أرضاً وتموت خلال 3 ساعات، وبالتالي لا تُشكّل أي خطر على الإنسان، لذلك فإنّ الأشخاص لن يلتقطوا العدوى سريعاً كما حصل في فترة كورونا”.
وأشار إلى أنّ العدوى موجودةٌ في مناطقَ أفريقيّةٍ كأفريقيا الوسطى وأفريقيا الغربيّة.
فكيف انتقل الفيروس من أوروبا إلى أميركا فالخليج وحوض البحر الأبيض المتوسط؟
يعتبرُ عون أنّ سببَ انتقال العدوى من قارّةٍ إلى أُخرى، يعودُ إلى حركة الطيران والمطارات، وذلك يظهرُ من خلال نسبة الإصابات المرتفعة التي تمّ تسجيلُها في هذه الأمكنة، نظراً لبقاء المسافرين لوقت طويل معاً، ومن الطبيعيّ بالتالي أن تنتقل العدوى بينهم. والأكيد أنّها لا تنتقل من خلال اللّمس، وإلّا لكان الجسم الطبيّ بخطر، ولكان قد سجّل أعلى نسبة في الإصابات.
أما بالنسبة إلى الإجراءات التي يجبُ اتّباعُها، فيُؤكّد عون أنها تبدأ من الأشخاص، لأنّ الدول لن تتخذ إجراءات كما فعلت في فترة كورونا.
ومن هنا، يجب الابتعاد عمَّن يحمل أي عوارض، أو طفحٍ جلديّ، وعدم لمسه، إضافةً إلى مراجعة أطباء مُتخصّصين.
وفي ما يخصّ اللقاحات، أوضح عون ألّا لقاح حتى اليوم لجدري القرود، ويُمكن الحصول على لقاح الجدري القديم الذي يحمي الانسان من المضاعفات، في حال احتكاكه بشخصٍ يحمل عوارض الجدري.
وأردف: “هذه اللقاحات موجودة في الولايات المتحدة، بريطانيا، ويُعمل على زيادة إنتاجها لتطعيم الأشخاص وخصوصاً من خالط شخصاً التقط الجدري”.
وختم عون: “هذا يُبشّر أنّ العدوى سيتمّ القضاء والسيطرة عليها أسرع من كورونا لأن الطعم أكثر فعالية”.
وكأنّ اللبنانيّ لا تكفيه الأزمات التي يعيشها يومياً.
فهل لدى الدولة اللبنانية الجرأة، ولو لمرة واحدة، على اتّخاذ التّدابير اللازمة للحدّ من وصول الفيروس إلى لبنان، كإقفال المطار مثلاً؟
أم ستترك المواطنين رهينة القرارات غير الصائبة التي لا تزال تتّخذها منذ بدء الأزمة الاقتصادية وانهيار لبنان ونظامه الاقتصاديّ والماليّ؟