كان ينقص لبنان الخلاف السياسي القضائي حول ما تقوم به القاضية غادة عون وما تتخذه من إجراءات قضائية بحق المصارف لتكتمل الأزمة بكل تشعباتها. بلد بلا رئيس جمهورية وفي ظل حكومة بالكاد يتسنى لها عقد جلسة كل أسبوعين أو أكثر ومجلس نواب كفّت الخلافات يد نوابه عن التشريع بينما هو عاجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية. حفلة جنون في عصفورية هذا أقل ما يقال عن واقع الحال في لبنان.
وبينما يتقاذف الجميع تهم التقصير على كل المستويات، ينشغل العالم عنا ويكتفي بتوجيه النصيحة بأن يقوم المسؤولون بما عليهم ليتم إنتخاب الرئيس لتكون الإنتخابات الرئاسية محطة مفصلية تطلق بعدها عجلة الإصلاحات.
لكن الإنطباعات حول الإستحقاق الرئاسي لا تؤشر الى انتخاب رئيس في الوقت الراهن. العائدون من الخارج، من دول القرار وتحديداً من أميركا وفرنسا لا يبشّرون بنهايات سعيدة قريبة. حتى إجتماع باريس لا تزال نتائجه تصل بالتواتر إلى المسؤولين وآخرها ما يتم تناقله عن نصيحة سفراء الدول الخمس بضرورة إنتخاب الرئيس قبيل شهر حزيران المقبل من دون أن يحمل هؤلاء اسم مرشح معين. في باريس تمّ التداول بأسماء مرشحين أبرزهم قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس «المرده» سليمان فرنجية. بالنقاط يتقدم الأول على الثاني. لا تمانع وصوله فرنسا وأميركا والسعودية بينما يتحفظ على ترشيح الثاني الفرنسيون والأميركيون والمملكة السعودية. لكن هذا ليس نهاية المطاف. زمن الإستحقاق لم يحن أوانه بعد بالتوقيت الدولي.
يمكن إعتبار فرنسا أكثر الدول حماسة لتحريك الركود حيال الملف الرئاسي. تحاول خلف الكواليس جس النبض تجاه ترشيح فرنجية ومدى جديته وإمكانية تبني الكتل السياسية الكبرى وأبرزها الثنائي ترشيح قائد الجيش جوزاف عون وبالتلازم تحاول إستطلاع حظوظ نواف سلام لرئاسة الحكومة.
خلال إجتماع مكتبه السياسي حذّر «التيّار الوطني الحر»من «خطورة ما يتم رسمه تنفيذاّ لأجندات خارجية في ظل تجمّع عناصر الانفجار بدءاً بانفلات الدولار وإقفال المصارف مروراً بالضغوط المعيشية على الناس لدفعهم الى الشارع، وذلك بهدف فرض رئيس رغم ارادة اللبنانيين وتحت وطأة الفوضى ويذكّرنا بمرحلة تخيير اللبنانيين بين اسم معيّن او الفوضى وهو ما رفضناه سابقاً وسنرفضه لاحقاً». كلام يصيب بسهامه قائد الجيش على وجه التحديد وإن كان «التيار» حدد أربعة أعداء يرفض أن يكون لأيّ منها الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي وهي: إسرائيل والإرهاب والفساد والفوضى… شاملاً بذلك ترشيحَي فرنجية وجوزاف عون.
ولكن يبدو وكأنّ «التيار» لا يتعاطى بمستوى الخطورة ذاته مع الترشيحين. فترشيح فرنجية من وجهة نظره معدوم الحظوظ لصعوبة تأمين غالبية نيابية تنتخبه بما يعزز الشكوك حول تراجع الثنائي عن تبنيه في نهاية المطاف. أمّا جوزاف عون فهو مرشح الإجتماع الخماسي في باريس وعلى ترشيحه تلتقي غالبية نيابية بمن فيها الإشتراكي وتكتل القوات النيابي والتغييريون بما يحرج الثنائي الشيعي. ومن هذا الباب يرغب «التيار» بفتح الحوار مع حلفائه لقطع الطريق على ترشيح عون وتحليل المحرم أي التباحث بشأن ترشيح فرنجية، للإتفاق على مرشح مقبول من الجهتين.
كلما ضاقت الفترة وزادت الأوضاع الداخلية تعقيداً تزايدت حظوظ قائد الجيش الرئاسية وإن كان هناك من يعاكس هذه الإشارات ليقول إن إنتخابه سيصطدم بمعارضة نيابية واسعة وتعديل للدستور بينما ترحيل الإنتخاب الى أيار لينفي الحاجة إلى التعديل، غير ممكن لأنّ البلد لم يعد يحتمل مزيداً من التعطيل.
لا حوار حول الرئاسة في الداخل. الكل يتموضع في موقع المراقب. أوقف «الحزب» محركاته الرئاسية والحوار مجمد مع «التيار» على اللاتفاهم، يرغب رئيس مجلس النواب بالإنفتاح على كل الخيارات قبل أن يستنفد ترشيح فرنجية كل حظوظه. أغلق الإشتراكي الباب على مبادرته وعلّق المفتاح، يُشهر «التيار» كل أسلحته ولم يبق له حليف يتحدث إليه ومعه، تكتفي القوات بالمناشدة والتحذير على وقع الأزمات. لا أفق، لا خيارات ولا حلول. في زمن اللاءات ثابتة وحيدة وهي أن الملف الرئاسي مجمد حالياً إلّا من محاولات متقطعة بين الحين والآخر. وفي الوقت الضائع لا ضير من جلسة حكومية وافق عليها «الحزب» وتمرير بعض الإستحقاقات المهمة والتعيينات، أمّا المعالجات المالية والإقتصادية فلا تزال تصطدم بحائط مسدود وسط تبادل الإتهامات بين الحكومة ومجلس النواب بينما أي معالجة لم توضع على سكتها الصحيحة بعد.