جُبّرت قبل أن تنكسر؟
بالرغم من تمتعه بالحنكة والنباهة و”الملعنة”، لم ينتبه جبران باسيل أنه قد كشف نفسه وتفكيره وتفكير من معه ومنطقه بعدد قليل من الجمل، حين شن هجومه على قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون.
باسيل كشف الموقف المستور بقوله إن قائد الجيش: “ينفذ سياسة الغرب في ما يخص الحزب وإسرائيل، ويطبق القرار 1701 بشكل مجتزأ”.
إذاً، هذا هو المفتاح..! ينفذ سياسة الغرب، فيما يخص الحزب!
يا عيب الشوم عليك أيها القائد، الذي قمنا بتعيينه على رأس المؤسسة العسكرية ليكون مطيعاً مطواعاً خادماً سامعاً للكلمة، فتمرد على معلميه وأولياء نعمته في التعيين “وأصبح عنواناً لقلة الوفاء”، وفتح خطوطاً واسعة مع دول الغرب، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وباقي الدول الغربية ومعها الدول الأوروبية وعلى راسها فرنسا، وأكثر من ذلك “مش ربحان جميلتنا”.
عملياً، فات عن بال باسيل أن يتهم قائد الجيش، بالعمالة المباشرة وكتابة التقارير وتلقي الأوامر من الدول والدوائر الغربية، وربما يفعلها في المستقبل. إذ أنه كشف من دون أن يدري حقيقة المواجهة بين ما يمثله باسيل، ومن يقف خلفه لإزاحة القائد الحالي للجيش من مكانه، كمرشح جدي ومتقدم لرئاسة الجمهورية، عبر رفض وعرقلة التمديد له، إن في مجلس النواب أو في الحكومة.
إذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قد أطلق في ذلك اليوم جملته الشهيرة عن حاكم مصرف لبنان، بالقول دفاعاً عن استمراره في منصبه: “ما حدا بيغير ضباطه خلال الحرب”.. فقد حان اليوم أوان هذه الفكرة لكي تنفذ. إذ أن البلاد عامة ومنطقة الجنوب خصوصاً بحاجة أكثر من أي وقت آخر إلى قيادة موثوقة ومجربة ومريحة للراي العام، والمواطنين والدول العربية والغربية في المؤسسة العسكرية.
يعتقد باسيل والتيار الوطني الحر، أنه يمكن تمرير إبعاد قائد الجيش بسهولة، بمعنى أنه يُطبق على قيادة الجيش ما طُبق على حاكم مصرف لبنان، وقبله على مدير عام الأمن العام أو أي دائرة إدارية أخرى، في هذا الظرف العصيب.
لكن ما فات باسيل، أن كيل القوى المسيحية الأخرى، التي يتقاسم معها صحن التحريض والتعبئة الطائفية سابقاً في الشارع المسيحي، قد ضاقت بتصرفاته مع الأطراف الحليفة له. وقد استعدت هذه المرة، استعداداً نجحت فيه في استقطاب البطريركية المارونية التي عملت على ولادة لبنان بأرجحية مارونية، وهي اليوم تشهد على انحلاله وتلاشيه بأرجحية إسلامية يمثلها ثنائي فائض القوة الموزعة بين الحزب وحركة أمل. إذ بات الحزب يمسك بالقوة العسكرية والسيطرة الأمنية والسياسية، فيما تمسك حركة أمل بأبواب البرلمان في دوراته الحكمية والاختيارية ومفاتيح أبوابه ونوافذه.
من يستمع إلى باسيل مندداً بسياسة قائد الجيش المحسوب على الغرب، حسب قوله، يظن للوهلة الأولى أن المتحدث هو نجل أو رفيق “هوشي منه” أو الجنرال قاسم سليماني، الذي كان أعلنها حرباً شعواء على الشيطان الأكبر، إلى أن اغتيل في مطار بغداد بقرار من دونالد ترامب.
يفترض أن تحالف “الثنائي الوطني”، قد تنبه حتى الآن، بشكل معمق إلى معاني ما عرف بجلسة انتخابات الرئيس الأخيرة في 14 حزيران في مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي كرست الانقسام المتقارب في القوى في مجلس النواب.
الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي انعقدت يومها بعد تسعة أشهر من الفراغ في سدّة الرئاسة، حيث توزعت الأصوات بين سليمان فرنجية مرشح الثنائي المحسوب على محور الثامن من آذار والمدعوم منها، والذي نال 51 صوتاً، وجهاد أزعور المدعوم من تلاقي كتل برلمانية متنوّعة تمكّنت من حشد 59 صوتاً له يومها.
صحيح، أن مجلس النواب قد أقفل منذ ذلك اليوم، ولم يفتح أبوابه خوفاً من الرياح الجديدة المحتملة. لكن الصحيح أيضاً، أن الاحتقان الذي ولد هذاالانقسام والتوازي المتوازن بين القوى قد استمر متفاعلاً، إلى أن وصلت الأمور إلى نقطة فياضة تتمثل باحتمال شغور منصب قيادة الجيش.
وقائع جلسة مجلس النواب الأخيرة، تشير إلى أن مسألة التمديد لقائد الجيش سالكة في طريق آمن. لأن عدم السير بها نيابياً أو حكومياً، سيفضي إلى تطورات سلبية على مستوى لجنة الوصاية والإشراف الخماسية، والشارع المسيحي الذي بات يستمع ويتأثر باهتمام إلى صوت الاعتراض الصادر، عن بكركي والقوى المسيحية الملتفة حولها والمؤتلفة معها.
عدم التمديد لقائد الجيش، كان ولا يزال، يطرح احتمال تفجر أزمة حادة وتطورات سلبية كثيرة تشابه حادثة عين الرمانة، ولكن بأساليب وانعكاسات سياسية.
تقول الرواية الشعبية إن بضعة أشخاص جلسوا يتبارون في إطلاق الأمثال والحكم على مقولة وطرفة (أبي أشطر من أبيك) أو “بيي أقوى من بيك”.
قال الأول للثاني: أبي كان أقدر من يجبر المكسورة. فرد الآخر: أبي كان يجبرها قبل أن تنكسر.
فهل سُحب فتيل أزمة التمديد لقائد الجيش بالتمديد له، وجبّرت قبل أن تنكسر؟