لا شيء في هذا العمل هبوطيّ، بل إنه بكافّة تفاصيله صعوديّ.
فمن تدرّج الألوان إلى تلاقي الظّلال مع أصحابها مرورًا بقوسيّة حركة الرّيشة، جميعها تقول:
إنه عمل صعودي.
ولا أدري إن كانت جغرافيا الّتسلق، أم إنّها لولبيّة العمل، أم إنّها حتميّة الشّفافيّة تدفع بسماكة اللّون إلى الأسفل، لتعكس رقّته في صعود متنام حد التّلاشي في أعلى اللّوحة.
لكنّ المؤكّد أنّ التّسمية ” حادثة التّجلّي” قد لعبت دورًا عميقًا في اللّحظة الّتي دفعت بدلال إلى إبداع هذا الجمال.
ففي شِعْبٍ يحدّده أقصى الزّاوية اليمنى، يخطو أربعةُ سُعَاة إلى النّور، مخلّفين وراءهم وعن يمينهم وعن يسارهم كثيرًا من الظّلام الّذي أخّر تجلّي الإنسان، وارتقاءه صوب النّور الذي يمّنه دلال لوحته، وحتّمه ببياض لا ينال من عشقه وفلسفته للصّفرة. والتّيمين في تجلّي دلال ليس مصادفة، وهو الّذي يعرف مشرق الشّمس.
شوقي دلال ليس رسّامًا بل هو واحد من فلاسفة اللّون الّذين يربكون المتلقي، ويدهشونه في آن، عندما يضعونه مقابل أيّ من أعماله.
يحاول دلال ألّا يَفصِل المتلقي عن الواقع كلّيًا في عمله هذا، من خلال بعض التّفاصيل الخاصّة بالجغرافيا كمسارات اللّون الأبيض، الّتي تربط دلال بجبل حرمون والشّيخ، وملابس السّعاة الّتي تؤكّد الغاية من رحلة الإيمان في الأديان كافّة، والّتي هي التّجلّي.
والتّجلّي باللّون لا يختلف عن التّجلّي بسواه من طقوس، ومكان وشعور، وكافّة أشكال الإبداع.
إنّ هذا العمل بمثابة دعوة إلى التّوقف بغية إدراك الغاية من وظيفة الحقيقة والسّعي إليها.
خاصة وأنّنا في زمن تتخلّى فيه عبادات الكثير منّا نحن بني البشر عن التّجلّي، وتتبع الانزلاق إلى منحدرات تتيح للفوارق توظيف الإنسان، وإقصاءه عن مصدر النّور.
ففي التّجلّي متّسع للجميع، والتّجلّي لا يبلغه المثقلون بأحمالهم المادّية.
لقد أبدع دلال في ترك التّفاصيل الموحية من خلال ريشته القوسيّة، الّتي تأرجحت بين اليمين واليسار، لتبدأ ضيّقة في أعلى اللّوحة، ثم للتتأرجح باتّساع يتّسق مع صفاء التّجلّي، واستقراره في أسفلها، مختصرًا التّأليف بثلاثة مساحات صغيرة حمراء وواحدة بيضاء في ظهور السّعاة وقد تدلّت ظلالهم طويلة وعريضة نحو الأسفل، لتترك فينا قراءة مفادها أنّ الأحجام التي يضخمها الظّلام تتضاءل وجدًّا كلّما دنت من النور.