الدولرة الشاملة دونها شروط… لبنان في مرحلة الإدمان على الدولار

تتَّسع رقعة الدولرة في لبنان، تلقائياً، بفعل انهيار الثقة بالليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من 95% من قيمتها الفعلية، لتطاول مختلف القطاعات والأنشطة التجارية والتعاملات اليومية بين المواطنين في مختلف جوانب الحياة. وبات الدولار النقدي هو الأساس في التعاملات لتسديد قيمة السلع وبدل الخدمات المختلفة، مع توالي فصول الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون.

ويُطرح اعتماد الدولرة الشاملة بشكل رسمي، بالكامل، من قبل عدد من الخبراء، كأحد الحلول المطلوبة من ضمن سلة شروط إصلاحية أخرى للخروج من الأزمة، طالما أن الاقتصاد اللبناني مدولر منذ عقود. لكن ماذا تعني الدولرة الشاملة؟ وما شروطها؟ وما الذي يميّزها عن الدولرة الكاملة أو الدولرة الكبيرة؟

الخبيرة الاقتصادية والمالية ليال منصور، توضح، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أنه “يمكن لبلد ما أن يصبح مدولراً بشكل كامل، من دون أن نسمِّي ذلك دولرة شاملة. وعلى سبيل المثال، يمكن تشبيه الأمر كالفرق ما بين وجود عضو مصاب في جسم الإنسان تعطَّلت وظائفه، وما بين استئصال هذا العضو بالكامل. بالتالي، لا يمكن القول إنه إذا بات البلد مدولراً 100% وبشكل كامل أننا أصبحنا في دولرة شاملة”.

وتشدد، على أن “الدولرة الشاملة تعني اعتماد الدولار، رسمياً، للتعاملات في لبنان والاستغناء عن العملة الوطنية. ولنفرض أن كل اللبنانيين، بالإضافة إلى الشركات والمؤسسات ومختلف القطاعات، لا يتعاملون إلا بالدولار إنما في ظل بقاء الليرة اللبنانية، هذا لا يعني أننا في دولرة شاملة، لأنها تتطلَّب حكماً عدم وجود عملتين أو أكثر في التعاملات”.

وتعتبر منصور، أن “أخطر ما يمكن أن يحصل للوضع الاقتصادي والمالي لبلد ما هو استعماله عملتين أو أكثر”، مشددة على أن “أي بلد يعتمد عملتين في تعاملاته، حتى ولو كنا نتحدث عن أقوى البلدان والاقتصادات، مثل الولايات المتحدة، فهذا البلد سيدخل في لحظة ما بانهيار اقتصادي”.

وتقول، إن “الدولرة تقاس على 4 مراحل، كمرض السرطان تقريباً، الذي يمكن معالجته والشفاء منه إن كان في المرحلتين الأولى والثانية، كحال دول الخليج العربية في الثمانينيات التي تمكنت من تخطّي أزمة الدولرة. لكن في المرحلتين الثالثة والرابعة تصبح معالجة المرض شبه مستحيلة في الغالب، بالتالي لا يبقى سوى الخضوع للأمر الواقع والاستغناء عن العملة الوطنية”.

وتضيف، أن “دول الخليج تمكنَّت من معالجة الدولرة في الثمانينيات لأنها كانت في المرحلة الثانية، من خلال قوانين فرضت استعمال العملة الوطنية فقط في التعاملات التجارية الداخلية المختلفة بدولها، وحافظت بذلك على احتياطاتها النقدية بالعملات الأجنبية تحت سيطرة بنوكها المركزية. لكن لبنان، ومنذ أكثر من 40 سنة في المرحلة الرابعة من الدولرة”.

بالتالي، “كل الخطط التي توضع في هكذا وضع لتحقيق الاستقرار، ستكون مؤقتة”، وفق منصور، التي تؤكد، أنها “لن تؤدي إلى حلّ الأزمة، بل ستزيد من الانهيار في المستقبل. وأكبر دليل على ذلك، تثبيت العملة الذي لم يصمد والنتائج التي أوصل إليها”.

وتذكّر منصور، بأن “صندوق النقد الدولي أنجز دراسة علمية دقيقة عن لبنان في العام 1994، بعنوان Dollarization in Lebanon، أكد فيها أن على لبنان الاتجاه إلى الدولرة الشاملة. أي وكأننا أمام طبيب نصحنا منذ العام 1994 باستئصال المرض، لكننا رفضنا وبقينا نقاوم، إلى أن وصلنا إلى انهيار البلد وأصبح من أسوأ بلدان العالم”.

وتوضح، أنه “تقنياً، الدولرة تفيد بأنه حين نكون في بلد مدولر في المرحلة الرابعة مثل لبنان، يصبح وجود البنك المركزي من دون جدوى لا بل مضرّاً، وسياساته النقدية أياً كانت غير فعّالة، مشيرة إلى أن “الاختصاصيين يعلمون ما أقوله، بأنه في هكذا وضع لا يمكن لأي حاكم مصرف مركزي القيام بأي شيء جدي للعملة، لأنه من منطلق اقتصادي حين تكون الدولرة في مراحل متقدمة تصبح السياسات النقدية غير فعّالة، إذ لا يمكن التحكم بالفائدة والكتلة النقدية”.

وتضيف، “حين نكون في المرحلتين الأولى والثانية يمكن منع التداول بالعملة الأجنبية من خلال قوانين، على غرار ما فعلت دول الخليج، والسيطرة على الوضع. لكن حين نبلغ المرحلتين الثالثة والرابعة، نكون، في علم الاقتصاد، في مرحلة الإدمان، ولا يمكننا عندها وقف استعمال العملات الأجنبية، وأي قانون يصدر بمنع استعمالها في هذه المرحلة يؤدي إلى هستيريا اقتصادية”.

وتشدد منصور، على أن “هذا ما حصل فعلياً في لبنان. وأي قرار من هذا النوع يؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة، ويدفع الناس إلى التهافت أكثر على طلب الدولار وستنهار الليرة أكثر، وربما يبلغ سعر الدولار في السوق 50.000 ليرة أو 100.000 ل.ل أو أكثر من دون سقف، لأننا أصبحنا في لبنان بالمرحلة الرابعة التي تفسَّر اقتصادياً بمرحلة الإدمان على الدولار”.

وترى، أننا “نتجه إلى مزيد من الدولرة، لكنها لا توصف بالشاملة إلا إذا في حال اتُخذ قرار باعتماد الدولار كعملة رسمية. أو يمكن، لأسباب سيادية، اعتماد النسخة عن الدولرة الشاملة التي تسمَّى Currency Board، حيث عملياً نستعمل الدولار الأميركي إنما بغلاف معيّن، كأن نسمِّيه دولاراً لبنانياً، أو ليرة الأرز، أو أي تسمية أخرى، لكنه يكون فعلياً الدولار الأميركي ذاته بتصميم مغاير”.

وتؤكد منصور، أنه “كلما ارتفعت نسبة الدولرة مع وجود مصرف مركزي، انهار الاقتصاد أكثر، لأنه لن يكون أمام أي بنك مركزي سوى طباعة المزيد من العملة الوطنية، ما يعني مزيداً من التضخم وفقدانها لقيمتها وستصبح هي العبء أكثر. وكل الاقتراحات التي تهدف إلى محاولة استعادة الثقة بالعملة الوطنية تكون فعّالة في البلدان غير المدولرة، ولا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية في بلد مدولر جداً كحالنا في لبنان. فضلاً عن أنه حين تُفقد الثقة بأي عملة وطنية لا تستعاد بسهولة، وهي بحاجة إلى مرور أجيال”.

زر الذهاب إلى الأعلى