دعوات للبنوك المركزية لاتخاذ إجراءات تُعيد الثقة بالقطاع المصرفي… تكرار سيناريو 2008؟
يدعو مستثمرون ومحللون البنوك المركزية إلى اتخاذ إجراءات أكثر تنسيقا بغية استعادة الاستقرار المالي، إذ يخشون استمرار الاضطرابات في القطاع المصرفي العالمي في ظل ارتفاع أسعار الفائدة.
ولا تزال اضطرابات الأسواق مستمرة بعد انهيار اثنَين من أكبر البنوك الأميركية هذا الشهر والاستحواذ على بنك “كريدي سويس” الذي رتّبت له الحكومة السويسرية. وهبط سهم دويتشه بنك يوم الجمعة وسط مخاوف من أن الجهات التنظيمية والبنوك المركزية لم تستطع حتى الآن احتواء أسوأ صدمة للقطاع المصرفي منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
واتخذت بنوك مركزية في أنحاء العالم، ومنها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، في الآونة الأخيرة تدابير لتعزيز توفير السيولة من خلال ترتيبات مبادلة الدولار. غير أن المركزي الأمريكي ونظيره الأوروبي واصلاً رفع أسعار الفائدة على مدى الأسبوعين الماضيين لكبح التضخّم المستمر.
وقال إريك نيلسن، كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة “يوني كريدت” في لندن، إنّه يجب على البنوك المركزية ألا تفصل سياساتها النقدية عن الاستقرار المالي في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن تؤدي مشكلات القطاع المصرفي إلى أزمة مالية واسعة النطاق.
وأضاف في مذكّرة الأحد: “يتعيّن على البنوك المركزية الكبرى، ومنها الأميركي والأوروبي، إصدار بيان مشترك بأن أي رفع إضافي لسعر الفائدة لن يكون مطروحاً على الطاولة، على الأقل حتى عودة الاستقرار إلى الأسواق المالية”. وقال إنّه “من المرجّح أن تكون هناك حاجة لإصدار مثل هذا البيان في غضون الأيام القليلة المقبلة لإبعادنا عن شفا أزمة أعمق بكثير”.
كما تتوقّع أسواق المال في الولايات المتحدة أن يتوقف المركزي الأميركي موقّتاً عن مواصلة رفع أسعار الفائدة.
تكرار سيناريو 2008
يرى مستثمرون في الوقت الحالي أن الأحداث التي تقع هذا العام تكرار لتسلسل الأزمة التي اجتاحت الأسواق في عام 2008، وهم أيضاً قلقون من انهيار بنوك أخرى إذا اعتقد الناس أن الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا لن تستطيع حماية أموال المودعين.
وقال فيليبي فيلارويل، الشريك ومدير المحافظ لدى “توينتي فور أسيت مانجمنت”، إنّ “الوضع لا يزال متقلّباً، لكنّنا نميل إلى الاعتقاد بأن المخرج من هذه المشكلة يمكن أن يكون بتنسيق عمل البنوك المركزية لتعزيز الثقة في النظام (المصرفي)”.
وأضاف في منشور يوم الجمعة: “المشكلة مع البنوك الأوروبية والأمريكية الكبرى في الوقت الحالي هي الثقة. رأس المال ليس هو (المشكلة)… المستهلكون متوترون لأنهم يرون البنوك تنهار ويتساءلون عمّا إذا كانت مثل هذه (الانهيارات) ستكون مصير بنوك أخرى وما إذا كان ينبغي عليهم سحب ودائعهم أو بيع أسهمهم المصرفية”.
وقالت الجهات التنظيمية الأميركية، الأسبوع الماضي، إنّ النظام المصرفي لا يزال “قويّاً ومرناً” في محاولة لتهدئة الأسواق والمودعين في البنوك. كما قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين، يوم الخميس، إنّها مستعدة لتكرار الإجراءات التي اتُخذت إزاء بنكَي “سيليكون فالي” و”سيغنتشر” لحماية الودائع المصرفية غير المؤمن عليها إذا زادت عمليات سحب الودائع من البنوك.
غير أنّ بيانات المركزي الأمريكي أظهرت يوم الجمعة أن الودائع في البنوك الأميركية الصغيرة انخفضت بمقدار قياسي بعد انهيار بنك “سيليكون فالي” في العاشر من آذار الجاري.
وفي الوقت نفسه، انخفض إجمالي الودائع في القطاع المصرفي بنحو 600 مليار دولار منذ أن بدأ المركزي الأميركي في رفع أسعار الفائدة العام الماضي، وهو أكبر سحب لودائع القطاع المصرفي على الإطلاق، وفق ما أشار تورستن سلوك، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى “أبولو غلوبال مانجمنت”.
وقال: “المخاطر التي تواجهها البنوك على المدى القريب، إلى جانب عدم اليقين بشأن الودائع الجاري سحبها وتكاليف التمويل المصرفي واضطراب أسعار الأصول والمسائل التنظيمية، كلها أمور تدعو إلى تشديد شروط الإقراض (وتشير إلى) تباطؤ نمو الائتمان المصرفي خلال الفصول المقبلة”.