“دلتا القوات” في أيلول الشهداء
“أيلول الشهداء” مناسَبةٌ لتذكيرِ مَنْ لا يزال في الدُنيا، أكثرُ منها لتكريمِ مَنْ أصبحَ في دنيا الحق. فالذين رحلوا يعرفون ما في صدورنا من حُبٍّ لهم وتقدير. ونحن على الأرض، وإن كنا في “مسيرة مستمرة”، لا ريب أننا أحياناً “نَضُلُّ الطريق” فيأتي أيلول الوجدان ليصوِّبَ المَسار.
يجب أن نَتذكَّرَ، نحن القواتيين، أننا في لحظةِ تَلبيةِ نِداءِ القوات، لم نَقُمْ بعملية حسابية. لم نُجْرِ مُفاضَلَةً بين القوات وغيرها من الأحزاب. لهم لبنانُهم، ولنا لبنانُنا. لبنانُنا ليس استعادةً لماضٍ، ولا قبولاً بحاضر. فماضينا فيه ما يُشَرِّف وفيه ما يُعِيب! نحن عَقَدْنا العزمَ على إحقاق هذه الآية:
“أنتم نورُ العالمِ، لا يُمكنُ أنْ تُخْفى مدينةٌ موضوعَةٌ على جبل”.
وبدلاً من تلك “المدينة”، نعيش اليوم في زمن القُرى، بمعنى المُجتمع الأُحادي، والثقافة الأُحادية، والتَمَسُّكُ بخُرافات التراث. قَتَلَتْنا عقائدُ القرى، دَمرَتْنا شريعةُ القرى.
لن يقومَ لبنان حتى “تَهلَكَ القرى”. وتَشُعُّ مُضيئةً تلك “المدينة على الجبل”. وحين تقومُ تلك المدينة، ولأنها “مدينة”، فهي للمسيحيين والمسلمين والبوذيين، والملحدين. “المدينة” هي التعددية، ولا تقومُ الدُوَلُ إلا في أحضانِ المُدُنِ، ولا تَخرَبُ الدول إلا يوم تطغى فيها مفاهيم القرية والعشيرة.
“جَلْدُ الذات” لغيرنا. رفاقي هل يمر في بالكم شهيدٌ عرفتموه إلا وصورتُه في وجدانِكم، فَرِحاً ومُبتسِماً؟ صَقَلتْنا الأحداثُ وكَوَّنَتْ منا مُثلثاً فريداً لا يؤمنُ بمنطق التفرُّدِ والأُحادية، وأوهام التاريخ. نحن ثلاثيو أبعاد، 3D: مناضلون ومؤسسة وقائد. مُثلثٌ يُكمِّـل بعضُه بعضاً. “دلتا” في خدمة الإنسان. نحن حزبٌ حتى لا يسودَ حزبٌ واحد. نحن فكرٌ حتى لا يطغى فكرٌ واحد. نحن للبنان، حتى لا يكون في الأرض لبنانَ غيرُهُ. أنسوا نظرية “لبننة العالم”.
وهذه “الدلتا”، هي اليومُ غيرَ ما قد تكونُ أو يجب أن تصبحَ غداً. كُلنا عابرون. قبلُنا كانت أسماءْ وبَعدُنا أسماءٌ تأتي.
وقائدُنا اليومَ جاءَ لمهمَّةٍ. وغداً قائدٌ آخر لمهمةٍ أخرى. لا نريد قادةً يستنسخون بعضهم بعضاً.
بناءً عليهم إن “دلتا” هذه الساعة هي:
• المناضلون: لقد انْتَزَعْنا مكانَتَنا انتزاعاً من براثنَ وأنياب. أتَتْ أيامٌ رُمينا بنَظْرات الكراهية، أو غَضّوا أنظارَهم عنا كأننا غير موجودين. فلا شَعَرْنا بأننا ضحايا، ولا نَدَبْنا ولا تَفَجَّعْنا. بقوةِ الحق ملأنا قلوبَنا حتى لا يجدَ الحقدُ مكاناً له. كلما نزلَتْ بنا الشدائد ازدَدْنا عليهم شَفَقَةً. هكذا كنا ونبقى.
• المؤسسة: تلك “القوات اللبنانية”، مع بشير المؤسس وبعده، نشأت كـ”الحجر الذي رَفَضَهُ البناؤون”. لا أحدَ من أسماء سنواتِ الثمانينيات أرادَ لها أن تكون أو تستمر. وتلك التي حوربت من الخصوم، ورُذلت من أهل بيتها، أصبحت حجرَ الزاوية لعمارة المقاومة اللبنانية والفكر الجديد.
• القائد: واحد منا. سميرْ فريدْ، فريدٌ بين زعماء السنوات الخمسين الأخيرة. وحدُهُ لم يكنْ وارث أحد. وإن وَرِثَ فلم يَرِثْ إلا أخطاءَ غيرِه أو خطاياهُم. في السنوات الخمسين الأخيرة، الزعماءُ زعماءٌ أباً عن أب، أو حفيداً عن جَدّ. ومَنْ لم تأتِهِ الزعامةُ من بيت، أتَتْهُ من مؤسسة. هذا الذي تعرفونه لو لم يُؤتَ به قائداً للجيش، ولو لم يُستدعَ في منتصف ليلةٍ إلى القصر، لكان اليوم قد “راح واستراح”. هو وغيرُه من “أولاد الدولة” ركبوا على أكتاف الدولة. كثيرٌ من “أولادِ الدولة” استغلوا أُمَّهُم إلى حد قتلها. وكانوا أسوأ من وَرَثَةِ البيوت أو العائلات.
سميرُنا يجب أن نَحمِيَهُ لا لأنه سمير جعجع، بل لأنه:
– التجربة التي يجب أن تنجح.
– المرحلة التي يجب أن تستمر.
– الباب الذي يجب أن يَعبُرَ منه كل سميرٍ آخرَ في لبنان المُنتظر.
هذا اللبنان الذي “مهما تأخر جايي، ما بيضيع اللي الجايي، ع غفلة بيوصل من قلب الضو، من خلف الغيم…”. إيماني ساطع.