دولار ما بعد الانتخابات “فالت” بلا منصة
عودٌ على بدء، أو دورانٌ في الحلقة المفرغة ذاتها، أو علكٌ ومطٌّ للمسلسل إياه، حول تذبذب سعر الدولار في السوق السوداء، لكن دائماً باتجاه تصاعدي، طالما لا حلول للأزمة المالية الأصلية وفشل كل الإجراءات المتبعة للوصول إلى استقرار نقدي طويل الأمد، إذ تبقى كل الحلول مجتزأة ومؤقتة، باعتراف أركان السلطات المختلفة المسؤولة عن هذا الوضع.
وترى مصادر اقتصادية ومالية، في تصريحات إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “ما يعزّز الأجواء السلبية، هو فشل الحكومة والمجلس النيابي بإقرار قانون الكابيتال كونترول لتقييد وتنظيم التحويلات والسحوبات المالية، بعد موجة الاعتراضات التي قوبل بها لكونه يحمّل القسم الأكبر من الخسائر، التي ليست في الواقع سوى ديون على الدولة أهدرتها في مزاريب الفساد والسمسرات والصفقات، للمودعين”.
وتلفت المصادر، إلى أنه “من المعلوم أن إقرار هذا القانون هو في أولوية شروط صندوق النقد الدولي، فضلاً عن الشروط الأخرى، لتوقيع اتفاق نهائي على برنامج مساعدات مالية مع لبنان، الأمر الذي بات بحكم المؤجَّل إلى ما بعد الانتخابات النيابية في 15 الشهر الحالي، مع التعويل على تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات بسرعة قياسية وعدم إضاعة الوقت”.
وتشير، إلى أن “ما حصل في الأسبوعين الأخيرين، على مستوى حركة الدولار وسعر الصرف، لا يترك مجالاً للشك بمدى صعوبة ما ينتظر اللبنانيين. فقبل أسبوعين، خفَّف مصرف لبنان من ضخّ الدولارات عبر منصة صيرفة بعدما وصل احتياطه بالعملات الأجنبية إلى مستوى حرج وحساس، وبهدف إطالة فترة استخدام الأموال المتبقية المتاحة للتدخل في السوق، أقله إلى حين تمرير الانتخابات”.
وتوضح، أنه “في نهاية الأسبوع ما قبل المنصرم تخطى الدولار الـ28.000 ليرة في سوق الصرف، نتيجة التقنين عبر صيرفة، وما دفعه نزولاً الأسبوع الماضي وصولاً إلى مطلع الأسبوع الحالي، هو عودة البنك المركزي لضخّ الدولار بحيث دعم صيرفة بأكثر من 80 مليون دولار إضافي الأسبوع الماضي، وهذه تركت أثرها في السوق وتراجع الدولار إلى نحو 26.400 ل.ل”.
لكن هذا لا يعني شيئاً مهماً، وفق المصادر ذاتها، “لناحية الأمل باستقرار مستدام. بل إن المشكلة مرجَّحة إلى التفاقم أكثر بعد أسبوعين. فما يمكن استنتاجه ببساطة أن مصرف لبنان قرَّر، بتغطية سياسية، رفع وتيرة ضخّ الدولارات في السوق لتهدئة الدولار ومنع انفجاره قبل الانتخابات، لكن على حساب مزيد من النزف في احتياطه النقدي. وبالنتيجة، تراجع الاحتياطي يعني فقدان الليرة لمزيد من تغطيتها وقيمتها الفعلية، ويعني ارتفاع الطلب على الدولار في السوق السوداء”.
ولا تعبّر المصادر ذاتها، “عن ثقتها بالكلام المطمئن حول استمرار عمل منصة صيرفة، فمن أين ستأتي الدولارات؟ خصوصاً على ضوء المشاكل التي ترافق المفاوضات مع صندوق النقد، بالإضافة إلى المؤشرات السلبية لموقف البنك الدولي حول تجميد التمويل لمشروعي استجرار الغاز والكهرباء من الأردن ومصر، في الوقت الراهن إلى ما بعد الانتخابات وتقييم الوضع على إثرها، ما يعكس عدم الثقة تجاه الدولة اللبنانية والتزام المسؤولين بما يتعهّدون به من إصلاحات”.
ولا يمكن، بحسب المصادر، “عدم التوقف بجدية عند ما يتسرَّب، بأن المنصة أعطيت جرعة مؤقتة، بطلب وتغطية سياسيَّين، للصمود إلى موعد الانتخابات، لكن المعنيين تبلَّغوا بأنها ستتوقف حكماً بعد إجرائها، والمرجَّح بعد أيام على انتهاء العملية الانتخابية، لأن مصرف لبنان ليس قادراً على الاستمرار بتمويلها بالشكل المطلوب في حال لم تتغيّر الظروف”.
وتعتبر، أن “كلام نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي حول نتائج مشاركته في اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي في واشنطن، تصبّ في هذا الاتجاه. فعلى الرغم من إعلانه أن الدول مستعدة لمساعدة لبنان، لكن تأكيده على أن عدم تطبيق الإصلاحات ستكون له تداعيات سلبية على الوضع، لا يحتاج إلى تفسير حول اتجاه الأمور، لأن السلطات اللبنانية لم تطبَّق الإصلاحات المطلوبة منها، والتي لا أمل بتطبيقها في حال بقيت السلطة الحاكمة اليوم في مواقعها، لأنها مناقضة لمصالحها الخاصة”.
من هنا، ترى المصادر نفسها، أن “فترة السماح الحالية المصطنعة لن تطول. ولن يكون مفاجئاً تفلُّت سعر الدولار بعد الانتخابات، خصوصاً في حال لم تعكس نتائجها دخول عناصر سيادية تغييرية إصلاحية جديدة وازنة على المشهد السياسي العام، إذ سنكون أمام انهيار أكبر في الاحتياطي النقدي إثر الضخّ الحالي لتمرير الانتخابات، بالإضافة إلى الأجواء السلبية المتفاقمة من جهة صندوق النقد والبنك الدولي، وسائر الدول الصديقة للبنان”.