تمر الأيام والأشهر والسنين، وحال لبنان تسير من سيء إلى أسوأ، فلا رئيس للجمهورية بفضل إقفال مجلس النواب، ولا حكومة أصيلة، بل حكومة تصريف أعمال تتعدّى على الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهوريّة، ولا إجراءات هيكلة للمصارف لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي كونه الرافعة لإنعاش الإقتصاد، ولا تدابير لإعادة تكوين الودائع المنهوبة من قِبَل السلطات المتعاقبة، ولا تقدّم في ملفات حياتية مثل الكهرباء المعدومة، فيما فواتيرها تلامس الخيال، كذلك أدوية السرطان المفقودة بحيث يموت المريض، ويمرض كل من حوله بهدف الإستحصال على الدواء، ولا دواء، وإن وُجدَ فأسعاره خُرافية لا قدرة لمن فقدَ جنى عمره وتعويضه ودَخله على شرائه، وحينها يُصبح الموت المجّاني هو الحل… هذا عدا عن إقفال الدوائر العقارية التي تُدخِل مبالغ هائلة إلى خزينة الدولة، ومجالس بلدية مُمَدد لها خلافاً للمنطق الديمقراطي، فمنها مجالس منحلّة، ومنها عاجزة لعدم توفّر الأموال، وغيرها الكثير من الفضائح التي ينعم بها الشعب اللبناني في حقبة ما بعد عهد جهنم، إلا أن سرد كل هذه النقاط هو ليس حبّاً بتعدادها، فالشعب اللبناني يعرفها، وقد حَفِظها عن ظهر قلب، كذلك العالم أجمع، إنما الغاية من ذِكرِها هو خطورة التعايش معها والخضوع لأمر واقع مرير، مفروض علينا بالسطوة والهيمنة، وليس بقوة القانون ولا بهيبة الدستور، إنما بضعف الإدراك والوعي لناحية انتخاب عدد لا بأس به من نواب يدورون بفلك الممانعة، وقد أدخلوا لبنان عنوة إلى محور الحرب والقتل والجوع والفقر والتعاسة…
نعم، رويداً رويداً لبنان الذي نعرفه يفقد دوره الطليعي والريادي في هذا الشرق الجريح، وقد تحوّل لبنان من مُصَدِّر للحَرف، إلى مُصَدِّر للممنوعات والكابتاغون وكل مشتقاتها، للأسف.
لم يعد لبنان كما عهدناه، لبنان الفكر والثقافة والفن والجمال والإبداع وملتقى الحضارات والعِلم وغيرها من مميزات الزمن الجميل، بل بات لبنان المئة ألف مقاتل، و150 ألف صاروخ، ولبنان الخارج عن القرارات الدولية، ولبنان المُغامِر عبر جنوبه لنصرة غزّة وتعريضه لمخاطر لا يمكن التكهّن بها سوى أنها كارثية.
نعم، لبنان وطن مُختطف ومسلوب الإرادة، فهل نستسلم ونسلّمه لمن أزاحه عن خطه التاريخي والتقليدي الريادي؟ حتماً لا، والسبيل الوحيد لتغيير الواقع يبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة يصون الدولة لا الدويلة، وينطق باسم لبنان وشعبه، لا باسم محور وحزبه…
وعليه، على كل مواطن أن يُساءل نائبه عما فعله بانتخاب الرئيس، وأن يحاسبه ويقتص منه في الإنتخابات المقبلة، لأنه لم يعد من التباسٍ أمامه وقد ظهر الخيط الأبيض من الأسود…
باختصار، وحدها القوّات اللبنانيّة حرصت في زمن الحرب على الحفاظ على نواة الدولة، وفي زمن السلم، تحرص مع كل مكوّنات المعارضة على استعادة لبنان من خاطفيه، وبالتالي إعادة النهوض بدولة فعليّة حقيقيّة تُجسّد أحلام الشعب اللبناني وطموحاته وتطلعاته، وتُعيده إلى مصاف الدول الراقية التي تحترم حريّة الفرد وحقوق الإنسان…
وحتّى ذلك الحين علينا مواجهة الخاطفين والطغاة والخوارج، من خلال رفض الهجرة والتمسّك بأرض الآباء والأجداد والشهداء، فالأرض وإن اغتُصِبت لفترة من الزمن، إلا أنها تبقى أرضنا، فيها وُلدنا وفيها باقون… والسلام.