ستعود ارض المسيح وسيهزم هيرودس…

حاول هيرودس بشتى الطرق الهمجية، قتل المواليد الجدد حتى عمر الثلاث سنوات بين شعب إسرائيل، كي يعاند نبوءة السماء بميلاد طفل، سيكون ملك ملوك العالم ويخلّصه من الطغاة، فقتل مئات الأطفال ليبقى على عرشه. وفيما كان جنوده يزرعون الرعب في الأحياء الفقيرة، وينحرون الحوامل ويقتلون الأبناء على عيون الأمهات والآباء، كان مار يوسف والعذراء مريم ومعهما الطفل يسوع يتوجّهون على ظهر حمار الى أرض مصر الى أن يموت الطاغية. وفي بيت لحم، حيث وُلد الطفل الإله في مزود حقير، وُلدت أنقى وأجمل وأعظم حكاية في تاريخ البشرية. وبعد أيام لحق بهم المجوس على ضوء تلك النجمة الغريبة المشعّة عكس اتجاه الكواكب، ليصلوا بهداياهم الى الملك الإله.

…ولم يمت الطاغية، بل صار هناك طغاة كثر يضطهدون المسيح في كل بقاع الأرض، وخصوصا في الأراضي المقدسة، في بيته ومدينته وساحاته، وحيث وطأت قدماه المقدستان، وحيث وُلد وصُلب وقام أيضًا. أطهر أرض تعيش واحدة من أكبر المجازر بحق أجساد الأطفال وميلاد يسوع، وبحق الحقيقة نفسها، فوق أطهر أرض حيث وُلد يسوع، يتصارع الطغاة وكلهم يقول هذه أرضي، وهي أرض المسيح أولا وآخرا، ولكن يسوع ما عاد هناك!

في أرض المسيح هيرودس يقتل الأطفال، وفي غزة هيرودس آخر جعل من الأطفال وقودًا للطاغية، في غزة حرب ضروس يقولون إنها بين الحق والباطل، وأحيانا، ولفرط هولها، نخالها بين الباطل والباطل بعدما ضاع الحق، وضاعت الأرض بين تجار القضية وطغاة الزمان.

يتناسى المتصارعون في غزة، أن أرض فلسطين هي أساسًا موطن رأس يسوع المسيح، هناك وُلد وعاش، وهناك كان ابن النجار وابن الطاهرة مريم، وهناك بدأ تعاليمه السماوية، وهناك في أورشليم حطّم الهيكل فوق رؤوس التجار والفاسدين، وهناك فوق قلعة أنطونيا في أورشليم صُلب وقام في اليوم الثالث، وكان أكبر الشهداء على الإطلاق وأعظم ثوار التاريخ من دون منازع.

اختلط الأمر على المتنازعين أرض المسيح. يتناسون أن القدس هي أورشليم أساسًا، وأن أي طفل بريء هناك يُقتل، إنما يُقتل الطفل الإله في مزوده. لا يعرف ذاك الطفل الذي أنار درب الرعيان والمجوس بتلك النجمة الغريبة، مصطلحات هذا الزمن البائس، لا تعنيه الطائفة والطائفية إنما الإنسان، كل روح تُزهق كأنها روح من المسيح. كلنا إنسان وفي كل منا مزود صغير، ومسيح ينَغْوِش قلب القلب بالحنان والفرح، مسيح يولد فينا ويكبر أو يصغر بحسب حجم الإنسانية التي تحكمنا.

ليلة الميلاد، ونجمة غريبة تشع فوق بيت لحم وأورشليم، ذهب يسوع الى مسقط رأسه ليتفقد مزود التبن في تلك الحظيرة الدافئة، سمع أصوات التفجير والأنين، ولم يجد حماره، ولا تلك البقرة، ولا النعاج الهانئة بالعشب الطري. فتح الباب المخلّع بضربات الحقد، فوجد المزود خاويًا والمكان يجتاحه الصقيع. يسوع لا يبرد هو منبع الدفء، شعر ببرد شديد ينخر عظامه، بحث عن بعض العشب الطري والعود اليابس ليشعل نارًا ويستدفئ فلم يجد منها شيئا، جاع هو الذي يطعمنا الحياة، بحث عن مريم لتطعمه فغاب وجهها باكيًا عن المكان، “وينك يا بار يا مار يوسف؟” صرخ يسوع، فرآه من بعيد يمشي أمام حماره وهو يحمل العذراء الحامل بيسوع، به، وهم يبتعدون ويبتعدون بحثاً عن مزود دافئ تحمله من جديد مولودًا إلهيا الى البشرية البائسة.

تهالك يسوع فوق بقايا المزود الحقير، كيف تقتلون أرضي، وتتقاتلون على مزودي وصليبي وإكليل شوكي وكفني؟! أعطيتكم الحياة بولادتي وموتي، وإذ بكم تقتلونني وتستبيحون دمي فوق ترابي.

رحل يسوع، ترك المكان، لم يضئ شجرة الميلاد في بيت لحم، ولم تلتف من حوله العائلة المقدسة والرعاة والمجوس وفقراء الأرض وطيّبوها، حمله الطغاة كل من طرف وبدأوا يتناتشونه، ليس من فرط الحب بل من فائق السطوة وأنانية التملّك.

لو كانوا يؤمنون بأنها أرض المسيح لهرعوا إليه وضمّوه وعايدوه، لو كانوا يؤمنون بأنها أطهر أرض، لأضاؤوا له شجرة ميلاد وزيّنوها بصلواتهم وتضرّعاتهم وقلوبهم المحطّمة بالخيانة والحقد، ولكنهم يؤمنون بأنها أرض هيرودس، يريدون أن يتغيّر وجه التاريخ وأن يغيب مزود يسوع من المكان إلى الأبد. لكن، وإن زعل وغاب وجهه لفترة، ها هو يسوع يولد من جديد في قلب الموت، في غزة وإسرائيل وكل فلسطين، ويضيء شجرته، والعائلة المقدسة تركع تحيط بها هالة النور… ستعود أرض المسيح وسيُهزم هيرودس.

Exit mobile version