قُتلت الرفيقة سحر داغر. يا الله معقول؟! صبية في عزّ أربعينها ما زالت، أم لثلاثة أولاد أكبرهم في التاسعة عشرة من عمره، رفيقة في “القوات اللبنانية”، رئيسة مركز بلدة عازور في قضاء جزين، نشيطة مناضلة قوية مؤمنة. امرأة لبنانية في كل ما تحمله نساء لبنان من معاني القوة والحنان والكفاح، الكفاح لأجل العائلة والوطن، فكيف تموت هكذا صبية في عز العمر والجنى والنشاط؟! سقطت سحر ضحية جريمة مروّعة مع والدتها أمام عيون اطفالها، لتُختتم بالدم مسيرة تلك السيدة الرائعة.
“مش عم صدّق يللي صار، مش بس عيلتها لسحر خسرتها، القوات خسرتها، وانا خسرتها شخصياً، كصديقة ورفيقة وسيدة لبنانية بكل ما للكلمة من معنى. سحر إنسانة مميزة بكل شيء، كانت ست الستات بأخلاقها والتزامها وأمومتها وبكل شيء، لا أصدق أنها رحلت”، يقول بحزن بالغ، نائب جزين الرفيق سعيد الأسمر، الذي نعاها على صفحته، “كانت مثالاً للمرأة المناضلة والنشيطة والعاملة في سبيل وطنها وعائلتها”.
منذ نحو السنة والنصف اختارت بلدة عازور، سحر داغر لتكون مكلفة رئاسة مركزها. لماذا سحر؟ لنشاطها وحركتها الدائمة، لعلاقاتها الطيبة مع كل الناس ومن كل الانتماءات، سيدة رقيقة راقية نبيلة في كل شيء، محبوبة من الجميع، متمايزة في كل ما تفعله. كانت استاذة رياضة، وأيضاً تعطي دروساً خصوصية لتتمكن من إعالة أطفالها، وكي لا تحتاج أحداً في ظرف اقتصادي صعب. لم تتذمر يوماً من وضعها، “كلنا بدنا نتحمّل بعضنا ونتحمّل صعوبات بلادنا، بالإيمان والنشاط منقدر نصمد”، كانت تقول دائماً لرفاقها الذين يتذمرون من أوضاع البلد. “كانت تكافح لأجل عائلتها وحزبها ومجتمعها ووطنها، اشتغلت بأكثر من عمل لأجل أولادها، في الانتخابات النيابية كانت لولب الحركة وفي كل الاتجاهات، واكبتنا كخيالنا وبالتفاصيل كافة، كانت مثال المرأة النشيطة الملتزمة بقضيتها لأبعد الحدود، مؤمنة بالتغيير الايجابي، وضعت الحزب في سلم أولوياتها بعد أطفالها”، يقول عنها الاسمر بتأثر كبير.
مناضلة لأجل قضايا إنسانية أيضاً، كانت تدعم المؤسسات الإنسانية، وتنظّم مخيمات صيفية لدعمها، وتقدم نشاطها بالمجان دائماً، إذ كانت تعتبر مساهمتها رسالة يجب أن تؤديها على أكمل وجه. مثل النحلة لا تعرف سوى أن تحطّ على أجمل الزهور لتمتص رحيق النضال ولتمنح قضاياها عسلاً بشهده، ليكون شاهداً على مسيرة امرأة نبيلة شجاعة، تخطت كل مشاكلها العائلية وضحّت براحتها لأجل اطفالها، ولتبقى دائماً صورة نقية شفافة عن “القوات اللبنانية”، قوات قلبها، “القوات مش حزب، القوات روح ونضال وقضية أرض وشعب” كانت تقول وكانت تفعل بما تقوله. حملت قواتها في ضميرها، وفي حركتها التي لا تهدأ، فاستحقت عن جدارة أن تكون رئيسة مركز عازور، “المنصب ما بيعمل ناس ولا مناضلين بل العكس، وهالمنصب هو لخدمة ناسي وأهلي وحزبي ولازم كون ع قدو لأني بمثّل القوات اللبنانية يعني أنا أمثّل قيمة وطنية كبيرة”، كانت تردد أمام رفاقها.
لا نعرف ما كانت الأيام لتخبئ لمناضلة من هذا الطراز العالي، لكن لا يمكن الا أن نسأل لماذا يختار الرب غالباً أحلا وروده على الأرض؟ يقولون، لأنه يحب أن يُحاصَر بالانقياء ليساعدونه على تطهير الأرض من الأشرار.
سحر داغر سيكتبون لك على أوراق النعوة أنك عروس المسيح، وهنا على الأرض سيذرفون عليك الدموع، وستمتلئ قلوب الرفاق بالأسى على رفيقة غالية استثنائية، وعلى فقدان صبية في عز الحياة، لكن حسبك يا رفيقة أنك اصبحت بجوار الرفاق الشهداء، وهناك فوق برفقتهم، ستناضلين بجوار الضياء والنقاء لأجل اطفالك، ولأجل قوات قلبك، ولأجل لبنانك الحلو، وستبقين في ذاكرة المناضلين صبية في عز الربيع، زرعت من حولها حقول الورد على الرغم من كل الاشواك، وحوّلت كل عبقها الى عسل بخوابي الأيام. أفتخر بكِ وأحزن عليكِ رفيقتي التي لم التقها يوماً، ولكن كأني أعرفها منذ الابد.